السياحي

بوروندي.. شقاء العيش وفتنة الاختلاف العرقي

على غير موعد تطل القارة السمراء على أجندة المسافر وهو يعد المدن التي عبرها والشوارع التي اجتازها بين مدينة وأخرى. صوب مجاهل تغوص في عمق الغابات والبحيرات؛ تطل على شاشات الفضائيات كأنها جمل منسية لتخبرنا عن انقلاب عسكري او صراع طائفي أو مجاعة تدمي صورها القلب. شيءٌ ما جذبني إلى التفكير في تلك البقعة من العالم؛ غير الخطوات العمانية التي تركت بصمتها وأدخلت الشرق الإفريقي إلى تاريخنا قديما وحاضرا.

محمد بن سيف الرحبي

وجدتني أفكر في بوروندي.. متخذا من فعالية ثقافية عمانية سببا للذهاب نحو تلك البقاع وقد بقيت معتمة في دفتر سفري رغم أن القمر العماني أضاء مساحات من ليالي افريقيا ولا يزال.
احتجنا ست عشرة ساعة بالطائرة لنعبر المسافة التي جربها أجدادنا وهم يكتشفون القارة الافريقية حينما لا طائرة هناك تجتاز المدن ساعة اثر ساعة.. عرفت أقدامنا السير على تراب أديس أبابا الإثيوبية وفق شروط الترانزيت؛ واكتحلت أعيننا برؤية نيروبي الكينية من خلال باب الطائرة حسب المتاح به خلال ساعة انتظار.
وبعد طول انتظار أطلت بوجمبورا؛ الاسم الذي احتجت وقتا لأحفظه؛ كان مطار العاصمة يحمل اسمها؛ شكل بسيط وأنيق سرنا إليه مشيا قاطعين المسافة بينه وسلم الطائرة ملتقطين ما تمكننا من الصور؛ متكدسين في صالة الوصول الصغيرة.
كنت أتوقع أن أجد بوروندي صبية سمراء لها سحرها الإفريقي الجذاب لكنني لم أتوقع أن التقي امرأة بالغة الحسن ترتدي معطفها الأخضر وعليه نقوش عمانية تركتها أصابع التاريخ دليلا على من مروا هنا.. عادوا إلى منابتهم الأولى أو بقوا مخلصين للأرض التي احتوتهم يوم ان كان المهجر غواية عمانية تنشد الترحال طلبا للقمة العيش أو التجارة أو الاكتشاف.
منذ قرون وقرون لم يكتفوا بالمحيطات ليمخروا امواجها ولا خدعتهم السواحل ليزهدوا فيما وراءها من جبال تخفي خلفها جنان خضراء لها غوايتها مهما بدت محاذيرها
وصل «الموا كرابو» وتعني العماني العربي إلى سائر البلدان مستقرين فيها.. قالت لهم بوروندي كاريبوو. أهلا وسهلا بالعربي القادم من وراء الجبال والبحار راسما لاقدامه دربا لم تعرفه خطوات العابرين قبله؛ ألقى برحاله وكتب سيرته على التلال الخضراء والسهول الممتدة.. عانى وصمد.. وقاوم غربته ومحنته.. لكنه انتصر في كثير من الأحيان.
لؤلؤة افريقية
بوروندي، بلد صغير وسط القارة السمراء، إحدى الجمهوريات الواقعة ضمن هضبة البحيرات العظمى حيث تطل على القسم الغربي الشمالي من بحيرة تنجانيقا، تحدّها من الشمال رواندا، وشرقها وجنوبها تنزانيا وفي غربها زائير، خضعت للاستعمار الألماني في نهاية القرن الماضي حيث أضيفت للمستعمرة الألمانية تنجانيقا (حالياً تنزانيا) وبعد الحرب العالمية الأولى وضعت تحت انتداب بلجيكا في سنة 1382 هـ، وأعلنت بها الجمهورية بعد عامين من استقلالها.
«تبلغ مساحة بوروندي 27,800 كيلومتر، وتشرف أرضها من الغرب على حافة أخدود شرقي أفريقيا وحيث بحيرة تنجانيقا، ثم ترتفع أرضها مكونة سلاسل جبلية بركانية، يصل ارتفاعها إلى أكثر من ألف وثمانمائة متر، ثم تسود أرضها هضبية تمتد حتى حدودها مع تنزانيا، وأبرز أنهارها رويزيزي وهناك روافد عديدة تصل إلى نهر كاجيرا، أول منابع النيل من الجنوب» وتطل العاصمة بوجمبورا على بحيرة تنجانيقا، مساحة هائلة من المياه العذبة تمتد نحو 600 كم2.
مناخ بوروندي ينتمي إلى النمط الاستوائي الرطب، وتشتهر باعتدال الطقس حيث تبلغ الحرارة في المتوسط 28 مئوية، فيما يتساقط المطر بها في موسم الأمطار سبعة أشهر، ذكرتني بموسم الخريف في صلالة، مطر ناعم في الغالب، على أرض مخضرّة، رغم سواد الحروب والصراعات في هذه البقاع الجميلة.. من نافذة الغرفة الفندقية أرى لوحة من الجمال، لكن أمام بابه مرّت بضع نساء ومعهن أطفال، على رؤوسهم حمل من الحطب، وأحمال من الفقر، كيف يجوع من يسكن بلاد كهذه، كيف يصاب بالعطش في أرض هكذا الماء فيها.
التركيبة السكانية مكونة من قبائل الهوتو بنسبة 75 بالمائة، والتوتسي 25 بالمائة، وتعد اللغة السواحيلية لغة التجارة في بوروندي ويعرفها غالبية السكان، وتشكل العربية منها 60 بالمائة من مفرداتها، وقد تسمع كثيرا كلمة قريبو، وتعني تفضل، أو حسب الطريقة العمانية عندما يدعوك أحد لزيارته باللهجة المحلية: قرب.
تشير الإحصائيات إلى أن نسبة المسلمين في بوروندي 10 بالماة، بينما تشكل الديانة المسيحية (الكاثوليك) 60 بالمائة، والنسبة الباقية 30 بالمائة لمجموعات مسيحية مختلفة، وتشير المصادر إلى أن الإسلام وصل إلى بوروندي قادم من شرقي افريقيا على يد العرب، خاصة العمانية حيث ازدهرت الدعوة الإسلامية فيها خلال عهد سلاطين زنجبار.
يوم جديد
كان الصباح يأتي بشمس يوم جديد على بوروندي التي آوينا إلى وسادتها بحلم اكتشاف ماذا تخبّئ هذه السمراء دوننا من أسرار؟.
مررنا بقصر أول رئيس من عائلة الهوتو؛ امدي داي.. قتلوه فكان قصره قبره.. حيث دفن فيه؛ وكان الموت أيضا من نصيب بطل الاستقلال روجا سورا وقد مررنا ببيته الذي قتل فيه أيضا، قريبا من ضفاف بحيرة تانجانيقا العملاقة؛ إنما على مقربة من كل ذلك نسينا إحالات الموت في أجندة بوروندي؛ وصافحت وجوهنا كل ذلك الامتداد الهائل من شريان الحياة في بحيرة تانجانيقا؛ ثاني أكبر بحيرات العالم؛ على رمل ساحلها تمدد شبان باجسادهم البائسة حيث لا يطلبون أكثر من لقمة عيش.. بينما البحيرة تبدو كبحر عذب في مدينة لا تحتاج مياهه كثيرا حيث الطقس استوائي ممطر على مدار العام.
سرت في سوقها الذي ينطق باللغة السواحيلية سوكوني، متجولا بين عدد كبير من البضائع، ولافتة تلك التماثيل الخشبية الصغيرة بأسعارها الرخيصة، فيما ازدحم سوق الخضار والسمك بالوجوه التي تعيش ثقافة المكان، ناظرة بعين الترقب لوجوهنا التي تبدو مختلفة بما يدل على أنهم من العرب الذين جاءوا من البعيد ليعيشوا عقودا بينهم، كانت النساء يحملن أطفالهن على ظهورهن يرقبن آلة التصوير، ويضحك البعض سرورا أمام العدسة، شعرنا ببعض الرهبة من تحلق مجموعة من الشباب خلفنا، وكان علينا مغادرة السوق الشعبي المزدحم، والجانبي، إلى الشارع الرئيسي حيث يمكن السير بجوار محلات الإلكترونيات.
كانت المدينة تختال في ناظري بين وضوح وغموض، أسرار البر الافريقي والرهبة من السير وحيدا، وكانت أشجار المانجو متدلية بثمارها اللذيذة، وقلة من الباعة يتناثرون على جانبي الطريق يبيعون الفواكه.
دروب تغالب فقر المدينة لكنها نظيفة؛ نظام سير يحترمه الجميع؛ حزام الأمان اجباري كما يحدث في أي مدينة متحضرة؛ هدوء حيث لا تكاد تسمع صوت الناس الذين تتباين الأرقام في حساب عددهم؛ ربما ثمانية ملايين نسمة في بلد صغير كان مع رواندا المجاورة دولة واحدة .
قلنا لسائق سيارة الأجرة نريد حيث مرّ العمانيون من هنا، لقاء تلك الوجوه الحائرة بين وطنين، عمانيون بلا جواز سفر، جاء اجدادهم قبل عقود طويلة مرتحلين من الوطن الأم، بعضهم عاد وآخرون لا يملكون أوراقا رسمية يثبتون بها عمانيتهم التي تبدو بعيدة كلما مرّ العمر أكثر.. وأسرع.
في منطقة اسياتيك؛ وتعني مكان سكنى الآسيان، ويقصد بهم غالبا المهاجرون من الهند وعمان، كنا نتجول بين مساجد المكان الثلاثة.. كل مذهب له مسجده؛ اباضية وسنة وشيعة؛ وكانت المصادفة التي ستجمّل بقية اليوم حينما سمعنا كلمة السلام عليكم بعربية صافية؛ جمال عمر قاسم… القادم من الهند مختارا بوروندي وطنا؛ وعمل في قطر؛ والمتزوج من عمانية، وله منها ثلاثة أبناء.
وكان التجوال ممتعا بين ردهات الأمس حيث نرى المكان صورة من دروب عمان القديمة.. الشوارع والدكاكين وبساطة الناس..
جمال يبدو عمانيا كونه أقام بين المهاجرين من السلطنة؛ يعرف تاريخ وجودهم في بوروندي؛ يعدّدهم واحدا واحدا؛ يقول انه يوجد منهم حاليا نحو مائتي شخص وبينهم التجار والأثرياء؛ في منزله وتحت شجرة بيذام عمرها أكثر من سبعين عاما شربنا القهوة العمانية؛ كما تعرفت على نكهتها؛ ودخلنا بيته الذي كان أول بيت يشيده عماني؛ ذلك المهاجر الذي يحمل اسم سالم بن عمير الطوقي؛ وصل بوروندي عام 1850، لا يدري أحد أي ريح قذفت به إلى عمق افريقيا، فيتبعه عدد من أهله ومواطني بلده.
قال لنا عن دكاكين السوق واحدا بعد آخر حيث جلس العماني تاجرا كأنه في قريته في المضيبي أو إبراء أو أدم، هذا دكان «علي الطوقي» والد الزميل والصحفي حمود الطوقي، وذلك دكان خاله، ومحطة البترول التي كانت لذلك الاسم القادم من عمان، وتلك منازلهم، بقي قليل منهم والبقية عادوا إلى أوطانهم، أو رحلوا عن الحياة.
شاركنا الجلسة ، تحت ظل شجرة كبيرة في حوش البيت، شابان أشار جمال إلى أنهما عمانيان.. لكنهما بلا جواز، تأملت كيف يكون المرء في حيرة كهذه، أن تكون من بلاد لا تحمل ورقة لتعود إليها، وهي أوراق تأكيد الهوية، بدونها لا اعتراف بتلك الهوية، الضائعة بين بلد يعرفه آباؤك أو أجدادك ويعترف بهم، وتبقى أنت الحائر بعيدا عن وطن ترى حقك فيه، وترغب أن تعيش فيه كأي مواطن آخر، وتغادر الوطن الذي غادر إليه من قذف بك إلى رحم أرض افريقية لا ترى فيها فرصة حياة كالتي تحلم بها.
لا ينحصر العمانيون في حارة واحدة؛ إنما يتوزعون على مناطق عدة؛ ومن مناطق سكناهم مسيكاتو نسبة إلى مسقط.
إشكالية الهوية
لم يمض على وقوف بضع عشرات أمام فندق مقر إقامة مؤتمر الدور الحضاري العماني في دول البحيرات العظمى المنعقد في بوروندي قليل من الوقت حتى رددت وسائل التواصل الاجتماعي صدى ذلك الصوت على مسافات تتجاوز مياه البحيرات والبحار، واضعة من الأسئلة ما يصعب الإجابة عليها كون أن مسألة عدم منح الجنسية العمانية لنحو مائتي شخص في واحدة من دول المهجر العماني قديما ليست واضحة الأركان بما يكفي للشرح والتفصيل، فهناك مطالبات قديمة، تقابلها عدم استجابة من حكومة السلطنة، وفي المطالبات بعض حق.. وفي عدم الاستجابة مؤكد محاذير تمتلك أيضا.. جانبا آخر من الحقيقة، وبين الحق والحقيقة يتطلب إضاءة سريعة لما يمكنني مشاهدته، والحضور على بعض تفاصيله.
ليس جميع المطالبين بالجنسية العمانية ينتمون إلى أصول عمانية..
ولكن من المحتمل جدا أن تكون مطالبة البعض شرعية، وفي أحوال كثيرة إنسانية بما يفوق القدرة على التفريق بين مستحق وغير مستحق، دبلوماسي عماني لم يشأ ذكر اسمه في حواراتنا الجانبية أشار إلى معاناة أسر عمانية في زنجبار (على سبيل المثال.. والجوار) بعد عقود من المطالبات، وضياع حقوق بين بلد لا يمنحهم هويته، وآخر هو الأصل (كما يرون) لا يمكنهم من العودة إلى ترابه الذي تركه الأجداد ذات حين من الدهر، لكن مسؤولا بورونديا كبيراً تجنب التعليق بشكل مباشر على القضية، معتقدا أن مسألة عدم وجود هوية لديهم يتضمن الكثير من المبالغة لأنهم يتنقلون بكامل الحرية، ولديهم أعمالهم التجارية، وترويج وجود مشاكل لديهم بسبب مسألة الجنسية ليس صحيحا تماما.
يخالفه في ذلك سلطان، عماني يقول إنه يتم ترحيلهم أكثر من مرة خارج حدود بوروندي لكنهم يعودون ضمن مفهومي الهروب والتهريب، وبوساطات من منظمات دولية تعمل في تلك الأصقاع الافريقية، سلطان يفكر في عمان، ولذلك يريد التعلق بأدنى قشة أمل تعينه على فتح باب ينفذ إليه صوب بلاد يحبها، ويرى تربتها هي الأجدر باحتضانه، كأنما بوروندي هي غربته لا وطنه الذي عرفه أكثر من خمسين عاما هي عمره حتى هذه اللحظة.
دخلنا إلى تلك الحارات البسيطة، والحياة الأشد بساطة..
واستمعنا إلى وجهات نظر، من داخل تلك البيوت، عمانيون يزورون بلادهم بتأشيرة، وهناك من فقد أوراقه الثبوتية فتعقدّت رحلته إلى الجنسية التي يحلم بها، المسؤول البوروندي يقول أن هؤلاء يريدون حياة أفضل في عمان، ومسؤول في جهة حكومية عمانية تجنب الشرح المطول لكنه أشار إلى نقطة بالغة الحساسية، تداخل بعض ذوي الأصول العربية في مسألة المطالبات، فالحياة في تلك البقعة الفقيرة من العالم لا تشبه حياة دولة تمتلك ثروة نفطية، والأهم تنعم بأمان لا يتوفر في تلك البلدان، وجميعهم يستعيد قضية الصراع بين التوتسي والهوتو، مليون ضحية خلال سنوات من القتل على القبيلة، وكان القتلة يجتثون الحياة من البشر بمنتهى البرود، يدخلون على العائلات فيذبحونها فردا فردا، وببشاعة يعجز عنها حيوان الغاب.
اكثر من قول أكد على أن عدد العمانيين في بوروندي، الذين لا يمتلكون الجنسية ولا أوراقا رسمية، أقل من مائتي شخص، ويبدو عددهم ليس كبيرا، لذلك تبدو الحلول ممكنة لتقريب وجهات النظر أولا.. أو وضع الحلول الوسط مؤقتا بما يحفظ لأولئك كرامتهم وإنسانيتهم، ويحفظ لعمان أمنها وحقوقها في ما يخص بحقها في منح الجنسية لمن يستحق، وليس لكل من يدعي.. أنه يستحق.
في بوروندي مجال واسع للاستثمار، يقول مسؤول بوروندي، ويطابق قوله أكثر من رؤية من بين العمانيين أنفسهم هناك، وتلاقت مع حديث دبلوماسيين عمانيين يعملون في تلك البلدان التي يواجهون فيها هذه المطالب، من تلك الحلول بقاء أولئك المطالبين بالجنسية في تلك البلاد مع حقهم في زيارة السلطنة في أي وقت يشاؤون، ذلك البقاء يحتّم دعمهم لإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة تخرجهم من دائرة الفقر، وتعطيهم الحق في معيشة تحفظ آدميتهم وهم يعرضون قضيتهم وبؤسهم على مسامع العالم من كونهم عمانيين نسيتهم بلادهم.. ليست من أجل مساعدتهم لحفظ الوجود العماني في تلك البقاع البعيدة فحسب، بل وفاء لأولئك الأجداد الذين قطعوا تلك المسافات في أدغال افريقيا لينشروا الإسلام ومعه التسامح والمحبة والوئام، وهذا ما أكده الرئيس البورندي الذي لمسنا في كلماته احتراما كبيرا لأولئك الذين أدخلوا الإسلام فكانوا، عن حق، رسل سلام.
حضور عماني متسامح
كانت كلمة الرئيس عنوانا عريضا للمكانة التي غرسها العمانيون في قلب هذه البلاد القصية داخل البر الافريقي، أشار إلى أن منازل العمانيين بقيت ملاذا آمنا خلال الحرب الأهلية بين التوتسي والهوتو، يوضح الوسيط (وهو بمرتبة نائب رئيس الجمهورية في بوروندي) د. محمد روكارا خلفان (وهو يتحدث العربية بطلاقة) أن الزعماء في بوروندي يرسلون بشكل مستمر وفودا رسمية إلى عمان للاستفادة من التجربة العُمانية في معظم المجالات، مشيدا بجلالة السلطان المعظم والحكومة العمانية التي «وقفت في مواقف كثيرة وممتازة مع الحكومة البوروندية في جوانب سياسية واجتماعية» مشيرا إلى أن «الحكومة في جمهورية بوروندي تعتبر سلطنة عُمان وحاكمها شريكا لها في عدة مجالات».
يصف روكاري جلالة السلطان قابوس المعظم بأنه «رجل السلام» لما يمتلكه من حكمة «في التعامل مع كثير من المعطيات والأمور والمشاكل التي تحدث في العالم، والحاكم الذي يعمل بصمت كما انه الرجل الكريم» مشيرا إلى أن العلاقات العمانية البوروندية شهدت تحسنا كثيرا وملحوظا في الآونة الأخيرة، ونستطيع ان نقول إن هناك علاقات قديمة منذ زمن بين البلدين، كما ان هناك بورونديين يعيشون في سلطنة عمان وعمانيين يعيشون هنا في جمهورية بوروندي، ولكن في الوقت الحاضر العلاقات تعززت كثيرا» منوها بالانفتاح الكبير الذي أبداه جلالته على الأفارقة وخاصة للشعب البوروندي.
ويشير روكاري إلى أنه بعد الحرب اعتنق بورونديون الدين الإسلامي لأنهم رأوا فيه دين المحبة والتقارب، بعد الحرب كثير من القبائل أتت إلى المناطق التي يعيش فيها المسلمون وهناك لم تكن عنصرية ولا قتال من أجل القبيلة، فتعايشوا مع المسلمين، منوها بوجود مئات المساجد في بوروندي، كما أن هناك برامج إذاعية يومية لنشر الدين وكذلك برنامج التصالح والتعايش بالسلامة والتقارب بين الأديان المختلفة لتكون هناك محبة وتسامح وتصالح بين الأديان.
يشرح روكاري مشاكل افريقيا، ومن بينها بلاده بوروندي أنها تواجه أزمة القبيلة في السابق، لكنها الآن تعيش مشكلة التطرف الديني، فبعد الحرب الأهلية استفادت القبيلتان التوتسي والهوتو أنهما خاسرتان في معركة لا رابح فيها، يضيف: «الانتماء القبلي يشكل خطرا على العالم والذي يحدث الآن في العالم لهو أمر مؤسف للغاية. وما يحصل في أفريقيا حاليا ليست مسألة قبلية وإنما مسألة دينية، ويرى العالم ونحن نرى في شرق أفريقيا وشمالها ووسطها يتقاتلون من أجل الدين وهم يعتبرون الدين القبيلة، ونحن نبذل جهودا كبيرة لإيجاد التسامح بينهم ليعشوا بسلام. في السابق كانت هناك القبلية ولكن الآن أصبحت المشكلة ما يسمى بالتطرف الديني في الإسلام والمسيحية ولكل هؤلاء مشكلتهم إنهم لم يدرسوا ويتدارسوا الدين دراسة عميقة تماما، كل الديانات تدعو إلى المحبة والتسامح والتقابل بينهم ولكن المشكلة أن بعضهم يأخذ بعض النصوص من القرآن الكريم والإنجيل ويتشدد عليه».
يرى المسؤول البوروندي بوجود مستقبل جميل ومشرق لافريقيا في مختلف المجالات، إنما تحتاج إلى التعليم «ولكن المشكلة انه كلما أردنا أن نجتهد للخروج من مشاكل الفقر نجد تقاتلا جديدا بين المسلمين والمسيحيين وبدل ان نفكر في كيفية تطوير قارة أفريقيا، نحن نفكر كي نعالج المشاكل الدينية والقبلية، ودائما أقول وأكرر لا ينجح أحد في قتل أخيه، وأفضل طريقة للنجاح هي الجلوس معا وإدارة حوارات بناءة».

نشرت المادة في العدد السادس من مجلة التكوين…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق