مقالات

  مبدع الغد

 

د. أحمد عبدالملك

 أكاديمي وروائي قطر

طرحتُ  – قبل عشر سنوات – فكرة مبدع الغد، والتي تتلخص في وضع مقرر لطلبة الثانوية يعنى بالبحث عن مواهب في المدارس يمكن صقلها عبر هذا المقرر، بحيث يتأهل الطلبة الذين يمتلكون مواهب إبداعية ، لأن يكونوا شعراء، روائيين، قصاصين، رسامين، عازفين، صحافيين، مسرحيين ..إلخ.  ويتم تنفيذ المقرر عبر دعوة الفنانين والمبدعين المعروف في البلد ، لإلقاء محاضرات حول تنميتهم لمواهبهم عبر السنوات التي قضوها سواء في المجال المعين أم في الدراسة في ذات المجال.

هذا النوع من التوجه في التعليم يكسر رتابة المواد المقررة، ويشدّ انتباه الطالب للمحاضر ، الذي قد يراه الطالب عبر التلفزيون أو الصحافة ، وبذلك يكون أكثر تأثيراً من الأستاذ العادي، وفي الوقت نفسه ، تُثرى الساحة الأدبية والفنية بالمواهب التي قد يصعب كشفها أو تحفيزها للنبوغ في ذاك المجال.

كنتُ متحمساً جداً للمشروع، ووضعت له الأهداف والوسائل، ولكنه ذهب أدراج الرياح.

إن التدريس في أغلب البلدان العربية يهدف إلى فك الخط والحفظ غير المُجدي لمواد قد لا يستفيد منها الطالب في حياته العملية، ولو أن ذلك يؤدي لحصول الطالب على الشهادة وبالتالي الدخول إلى الجامعة ، والتي يعتبرها كثيرون – نظراً للنمط الثانوي الذي درجت عليه أغلب الجامعات العربية – امتداداً للمرحلة الثانوية.

علمت أن أحد البلدان الإسكندنافية يضع 3 ساعات – في اليوم –  للطلبة في المرحلة الإبتدائية، كفترة استكشافية للطالب ، حيث يُترك الطلبة في الغابة أو الحدائق يكتشفون الطبيعة ، ويرصدون العلائق بين مكونات الطبيعة ، ويتعرفون على الألوان والأشكال والظواهر الطبيعية، وهذا ينمّي لديهم القدرة على التفكيك والتحليل. وهذا يدلل على أن تلك الشعوب هي الأسعد في العالم.

الفكرة هنا ، أن ندع الطالب يُبدع دون أن نتدخل في ذوقه وأحاسيسه أو نجترئ على فكرهِ، لأن الممارسة أفضل من الحقن أو التلقين الذي درجت عليه المناهج في أغلب الدول العربية!

كما أن مقرر (مبدع الغد) يكون مثيراً وقافزاً وثرياً بالمعلومات الجديدة التي لم يعايشها الطالب في حياته، في الوقت الذي يحرّك كوامن الطلبة ، ويفجّر طاقاتهم ، عبر التنوع الذي يتعرّض له الطلبة من : أشكال الآداب، من قصص، رواية، شعر، موسيقى، مسرح، إعلام.. وغير ذلك من المواهب التي حتماً تثري حياة المجتمع.  فكم من مبدع لم يكتشفه أحد! وكم من موسيقيّ مرهف أكلتهُ آلةُ الإدارة الطاحنة، وكم من شاعرٍ خاف أن يظهر في وسائل الإعلام أو لم يسعفه أحدٌ في القراءة الجيدة للشعر!

هذا المقرر، لو كشف لنا خمسة طلاب من أصل ثلاثين في الفصل الواحد ، كان ذلك كافياً لتشكيل فريق مبدع من خلال مدرسة واحدة! وتصوروا معي لو أن الصحافة والإذاعة والتلفزيون أبرزوا هؤلاء المبدعين – كلٌ في تخصصه – ماذا ستكون عليه حالات هؤلاء الطلبة ، الذين يرزحون تحت وطأة الرياضيات والنحو والصرف وغيرها من المواد الجامدة ، والتي يحفظونها كي ينسوها بعد الامتحان ، بل إن بعضهم يذهب إلى الجامعة ولكأنه لم يدرس تلك المواد، ويُضطر أستاذ الجامعة ، الذي يُدرسُهم الإعلام ، إلى تدريسهم اللغة العربية وقواعد النحو والصرف من جديد.

إنها همسة ودّ .. قد يسمعها أحدهم!!

نشر هذا المقال في العدد (33) من مجلة التكوين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق