الفني

سمير العريمي: لا توجد أزمة مسرح في السلطنة

في ما يشبه العزلة الخاصة، ينجز مشروعه الإبداعي في سكينة تامة، بعيدا عن الضجيج والصخب. قليل الظهور هو وزاهد في الحديث، يفضل الحوار مع قارئه عبر نصه الإبداعي الذي يكتبه بإخلاص كبير. إنه الكـاتب والمـسـرحـي سمير العريمي الذي حفر اسمه عميقا في تفاصيل المشهد الثقافي الحديث في السلطنة، من خلال مشاركاته المبكرة في الملتقيات والفعاليات الأدبية، وعبر نتاجه الإبداعي الذي أصدر منه ثــلاث  مجـموعات قصـصـية منها (سفر هو حتى مطلع الفجر) و(عـــيــــن الـــقـــطر) و(خشب الورد). ومن أعماله المـــسـرحية (زهراء القصر) و(نجوم المنتخب) و(فانتازيا الكاسر)، إلى جانب العديد من النصوص التي قدمت على خشبة المسرح. “التكوين” التقت سمير العريمي في هذا الحوار للحديث حول تجربته ورؤاه وذكرياته في فضاء الكتابة.

 

ــ بدأت قاصا ثم تحولت إلى المسرح .. ما سر هذا التحول؟

منذ بداياتي ترافق لدي الاهتمام بفني القصة والمسرح وإن كانت الغلبة في أحيان لعالم القصة وذلك لأسباب موضوعية وأخرى تتعلق بانشغالاتي العديدة وبالقدرة على الإبداع في أكثر من مجال في آن.. فالمسرح عندي من هوايات الطفولة الغضة، استهواني منذ الصغر.. بل إنني مارست التمثيل على خشبة المسرح المدرسي قبل أن أجرب الكتابة المسرحية أثناء دراستي في كلية المعلمين أوائل تسعينيات القرن الماضي، وانطلقت بعدها في كتابة النصوص المسرحية والتعاون مع المؤسسة ممثلة بمسرح الشباب وكذلك الفرق المسرحية الأهلية.

ــ كانت لك بدايات مع الشعر في بداية تحربتك الكتابية .. كيف تصف علاقتك بالشعر الآن؟

الشعر ديوان العرب والارتقاء لمعارجه ليس متاحا لأي هاوٍ أو مجرب لذا فإني أنظر إليه بمزيج من الإعجاب والهيبة والتقدير وعلاقتي بالشعر قائمة على كونه دفقًا شعوريًّا لأحاسيس ذاتية متجذرة في أعماق نفسي لا تجد لها متنفسًا حرًا رحيبا إلا في عالمه الفريد الأخاذ بمجامع القلوب والعقول.. ولا زلت أنظم الشعر ولكني مقل للغاية وأقتصر في عرضه على المناسبات الأخوية أو مع خاصة الأصدقاء وقلما أنشر شيئا من محاولاتي الشعرية. وقد كانت لي مشاركات خجولة في بعض الأماسي الشعرية منذ أعوام لكني توقفت عنها كذلك .. ولا أخفيك أن الأصدقاء يلحون في أن أصدر أشعاري المتفرقة في ديوان مطبوع لكني، وكما أسلفت، أتهيب هذه الخطوة لعدم اقتناعي التام بجودة ما أنظم قياسا بتجارب بلغت شأوًا عظيما في محيطي ومن قبل أبناء جيلي الأمر الذي يشعرني بالفخر بهم وبإنتاجهم الجميلن وكما يقال فإن تحت كل صخرة في عمان شاعر ! ما يشير إلى غزارة الإنتاج الشعري في عمان.

ــ هل يمكن للكاتب أن يكتاب في أكثر من مجال؟ أم ترى أنه ينبغي التركيز على مجال بعينه من أجل الإبداع؟

تتمايز الآراء فيما يخص هذا الأمر .. بيد أنني أميل إلى الرأي القائل بأن الإبداع لا تحده حدود وأن الكاتب ما دام قادرا على الإبحار في مراسي الأدب الرائعة بأكثر من مجال فلماذا لا يحاول ويجرب والحكم بعد ذلك للقارئ والمتلقي في قبول نتاجه وتقدير جودته. وشخصيا جربت ومنذ بداياتي ألوانًا من الكتابة ولا أزال، فقد نظمت الشعر وكتبت المقال والقصة والمسرحية، ولي في كل منها تجارب أرجو أن تكون مقبولة ترضي ذائقة الجمهور.

ــ الكثير يتحدث عن أزمة المسرح في عمان .. هل توافق ذلك؟ وكيف تنظر لهذه الأزمة؟

لا أتفق مع من يقول أن هناك أزمة مسرح في عمان لأن كافة المعطيات التي يتطلبها المسرح لينجح ويبدع متوفرة وموجودة فلدينا مسرحيين كبار وكتّاب نصوص جادة وطاقات مسرحية شابة خلاقة في كل مجال تأليفا وتمثيلا وإدارة مسرحية تكتسب كل يوم خبرات متراكمة من أثر تجاربها المتصاعدة، ما يحتاجه المسرح ربما هو استمرار الدعم المؤسسي وتطوره .. نحتاج لمسرح قومي يتبنى التجربة المسرحية ويقف لها معاضدا ومعينا فقد أدى (مسرح الشباب) دورا في مرحلة هامة من نشاة المسرح العماني وآن أن يكون لنا مسرح وطني قومي تدعمه المؤسسة مع عدم إغفال الفرق الأهلية وما تقوم به من حراك مسرحي فاعل، وكذلك مسارح الكليات، وكل هذا الزخم يشي بحب مسرحي متجذر في النفوس وبتجاوزٍ لأية تحديات أثمر تحقيق نجاحات ومكاسب وجوائز ليس على أرض الوطن فحسب بل تجاوز الحدود، وكل ذلك في اعتقادي ينفي وجود ما وصفتموه بالأزمة.

ــ اشتغلت في أعمالك المسرحية على التراث والتاريخ (زهراء سقطرى ــ قصر جبرين) .. لماذ يلجأ المبدع للتاريخ ووسائل الترميز الأخرى؟

نعم بعض أعمالي المسرحية اتكأت على التاريخ ذلك أني مؤمن أن أغراض الفن المسرحي هي أغراض المصير الإنساني وقضاياه المتعددة، ومواقف الفرد منّا من هذه القضايا وإسقاطاتها المتجاوزة للأزمنة والأمكنة التي وقع فيها الحدث التاريخي الذي يتناوله النص، لذا فإن قراءة النص ينبغي أن تتجاوز مستوى الحدث نفسه إلى ما يرمز إليه وإلى الدلالات المعاصرة لذلك الحدث وهنا تظهر لعبة الفن. والمسرحيتان اللتان تشيرون إليهما تستوحيان قصتهما من تراث عمان وتاريخها في سقطرى وجبرين لكنهما لا تدعيان توثيقا دقيقا للأحداث لكونهما عملين فنيين امتزج فيهما الواقع التاريخي بعنصر الخيال المسرحي وإسقاطاته المختلفة الأوجه على الحاضر والمستقبل.

ــ هناك حديث حول غياب جماهير المسرح .. كيف ترى جمهور المسرح لدينا؟

على العكس تماما لدينا جمهور مسرحي ذو ذائقة عالية جدا وأكاد أن أقول أنه جمهور ناقد متفاعل بشدة صحيح أن أغلبه من عشاق المسرح لكن المسرح يستقطب حيثما حل وعزف قيثارته جمهورا من أصعدة مختلفة صغارا وكبارا متعدد المشارب والاهتمامات ولم تعد الفكرة النمطية القديمة لدى البعض عن المسرح  بأنه يقدم الأعمال الهزلية فقط وليس فيه للأعمال الجادة مكان، أقول لم تعد هذه الفكرة سائدة اليوم وهذا طبيعي مع تجذر التجربة المسرحية وتطور المجتمع.

ــ بعد هذه التجربة الإبداعية، برأيك على ماذا يراهن الكاتب، وهل باتت الكتابة تمثل قيمة حقيقية يراهن عليها؟

وجهة نظري المتواضعة أن التجربة الإبداعية ومع تتالي الزمن لا تتوقف قد يخفت وهجها قد تتباطأ قد يعتريها ما يعتري النفس البشرية من هموم ومحن وتجارب قاسية أو سعيدة ولكن جذوتها تظل باقية لتشتعل وتتوهج من جديد فتبرز ألوانا جديدة من الإبداع النفيس عالي القيمة بشرط أن يتوفر لها المعطيات المساعدة وأهمها: انتفاء وزوال المشتتات ووجود الدافعية الذاتية والتشجيع والدعم الخارجي شخصيا كان أو مؤسساتيا والتكريم اللائق المحفز على استمرار الإبداع والعطاء، وأنا هنا لا أتكلم عن الكتابة التي تمارس كوظيفة أو مهنة وإنما عن الكتابة الإبداعية المحضة المتمثلة في الأدب الراقي الذي يجد أحدنا لذة في الاطلاع عليه وقراءته، وشعورا أروع لا يوصف عند الأقدام عليه كتابة بالتحليق في عوالم الخيال والإبداع وذلك شعور لا يخالج إلى الكاتب المخلص لإبداعه والساعي لترقيته وتجويده.

ملاحظة: نشر الحوار كاملا في عدد أكتوبر 2017م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق