مقالات

في الرحيل العظيم

شيخة الشحية

 ذلك الشعور الذي لا يوصف، ما يزال ساكنًا فينا، ولا يزال يُلقي بأجسادنا على الأرض بنفس الثقل الذي ألقانا به أول مرة عند اختراق خبر النعي لمسامعنا.

مازلتُ أذكر كيف كانت ردة فعل أمي التي نقلتُ إليها الخبر، ومحال أن لا يصل إليها.. مني أو من أي أحد غيري.

أربكتنا الساعات الأولى من الفجر، بل أربكتنا الساعات التي سبقتها منذ المساء، ما كان لخبر النعي توقعات في أذهاننا، أو ربما توقعناه لكن رفضنا التصديق به فرمينا بثقله إلى الاحتمالات البعيدة.

المشهدُ الذي لا ينسى، بدأ برجل شُجاع أذاع الخبر بنفس ساكنة، إنما عيناه تحكي عن ألف ألم وضياع، وواضحة في صوته نبرة الكفاح التي اجتهد كثيرًا ليصل إليها فيقوى، ليقول النعي الصادر من ديوان البلاط السلطاني.

نثرت دموعي في المكان الذي أجلس فيه، أرثي نفسي، دون توقف، فهل يا ترى شعب أبيّ يحتمل أن يكون قابوس المفدى قد رحل؟ وكيف عُمان دونك أرضها وسماءها؟

ما زلتُ أسرد الملامح بتفاصيلها في مفكرتي، لا شيء يتشكل في ذاكرتي إلا يوم الفقد العظيم، لا أعرف بشرًا تخطوا هذا الغياب الثقيل بعد، ولا في الشعر ولا النثر، فلا تغادر التفاصيل واقع أيامنا، ولا كراستي ونصوصي، ما زلنا نعيش الفقد كأنه كابوس طويل وموجع.

اتشحت عُمان بالسواد الذي لم تعرفه إلا في رحيل  “أعز الرجال وأنقاهم”، مخلصين التعازي لأنفسنا وصادقين بالمواساة لعُماننا، فرحيل رجل كان يعني لنا الوطن ليس إلا رحيلًا موجعًا.. مؤلمًا أيّما ألم.

هذا الحزن لا يشبه باقي الأحزان، مختلف جدًا، عشتُ تفاصيله وما زلتُ أعيشها بين خليط من الألم والعهد الجديد أبونا قابوس رحل؟! أو أن كل ما في الأمر أنه نائم في أحضان عمان؟

في يناير الاستثنائي، بداية العام، تلاشى الشعور بفرح حلول عام جديد، وأُصيبت كلماتنا بالضياع والخوف، رحل، الرحيل الذي بدا مستحيلًا لدينا رغم أنه لا مخلوق خالد على الأرض، وبأن كل من عليها فان، فلا يبقى إلا وجه ربنا ذي الجلال والإكرام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق