العام

كرونا واختبار التعليم عن بعد في سلطنة عمان

سلطان بن عبدالله الشهيمي

باحث بدائرة تطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم

لا يخفى على الجميع ما أحدثه هذا الفيروس الخطير: كرونا من هزات وارتدادات على معظم دول العالم؛ فشلت حركتُها وأنهك اقتصادها، وما زال، حيث بدأ اجتياحه مناطق الصين ثم إيران وإيطاليا وأمريكا الشمالية، وها هو الآن يستعر في قارة أوروبا العجوز ليخلف وراءه مرضى وموتى، يفتك بهم فتكا- نسأل الله السلامة والعافية-. فمنذ اللحظة الأولى التي ذاع صيته فوق الآفاق خصوصا إقليم “وهان” الصيني، وهو يبث سمومه في الأجواء؛ غير أن الصين كانت مثالا للتحدي، وأنموذجا يحتذى في التعامل معه والتصدي لهذه النازلة. وقفت معه وقفة صارمة استطاعت بجهودها الجبارة، وإصرارها العظيم أن تصدّ اجتياحه شيئا فشيئا؛ فسخرت إمكاناتها بعزل أقاليمها ومناطقها حتى غدت حتى لحظة كتابة هذه المقالة تعلن عن انتهاء مهامها الطبية، وإغلاق مستشفيات العزل المؤقتة التي بنتها خصوصا لهذه الجائحة الكبرى حيث تم الإعلان بالأمس عن تعافي أغلب الحالات وتماثلها للشفاء في “وهان” بؤرة الفيروس. فسبحان الله الذي هيأ أسبابه لعباده وخلقه أجمعين! وتعدى هذا الإنجاز الكبير أيضا أن استعانت دول كبرى كدول الاتحاد الأوروبي في احتواء هذا المرض، والاستفادة من خبراتهم في الحد من انتشاره.

وإن سألت عن المدارس والمعاهد والكليات والجامعات: هل توقفت؟ كان الجواب أشبه ما يكون في عوالم أفلام هوليوود أو مدائن أشباح، لا سكان يقطنها، ولا مارة يجوبون شوارعها؛ إلا أن الشعب الصيني لمس جراحه وابتسم لنهضتهم العلمية والصناعية، التي فتحت لهم أبوابا أخرى؛ إذ استطاعوا أن يوجدوا من المحنة منحة، فهيأوا لأبنائهم برامج تعزز تواصلهم مع العلم والمعرفة؛ فكان التعليم الرقمي وعن بعد أفضل الحلول وأبرزها ليبقى العلم سيد كل شيء، يستمر عطاؤه وخيره المدرار. شعب أدرك قيمة العلم، فترجمه واقعا عند كل نازلة ومصيبة.

هذا في الدول الصناعية الكبرى حيث العلم سيد الموقف؛ أما في دولنا – مع الأسف- فلا ترى هذا التوجه ماثلا للعيان من قريب أو من بعيد. فإذا ما نزلت ملمّة في ساحاتهم ترى القوم سراعا يبحثون عن المخلّص لمحنتهم ومنقذ لكربتهم، ينتظرون من يأتيهم ليوقظهم من غفلتهم. لا تجد ذاك النهج يتغلغل في نظامهم التعليمي إلا يسيرا.  ناهيك عن الضعف في البنية الأساسية للشبكة والحظر المفروض على بعض التطبيقات الرقمية خصوصا الاتصال المرئي الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من نظام التعليم عن بعد. لا أقول أنْ ليس هناك جهود مبذولة في هذا الجانب؛ إلا أنها تظل جهودا مشتتة، لا يجمعها نظام متكامل يدير زمامها، فيوجهها الوجهة الصحيحة.

إن الدعوة إلى تفعيل التعليم عن بعد في مثل هذه الظروف أمر محمود؛ بل يجب على الحكومات أن توليه جل اهتمامها، وجعله في سلّم أولوياتها؛ فالحضارة لا تبنى إلا بالعلم. فإذا ما توفرت سبلها كانت في مصاف الدول الحضارية الكبرى. ولكن للوصول إلى غاياته المقصودة، وتحقيق أهدافه الموضوعة لا بد من توفر الأدوات اللازمة؛ ليُؤتي أكله، ويُثْمر تلك النجاحات المتوقعة من تطبيقه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق