مقالات

تحدياتٌ.. أمام طاولة جلالة السلطان المعظم

زاهر بن حارث المحروقي

« نُشير بأن يتولى الحكم، السيد هيثم بن طارق؛ وذلك لما توسّمنا فيه من صفاتٍ وقدراتٍ تُؤهله لحمل هذه الأمانة» كانت تلك الكلمات الواردة في وصية السلطان الراحل قابوس بن سعيد رحمه الله، نقطة تحوّل كبيرة في التاريخ العماني؛ إذ كانت إيذانًا ببدء عهد جديد في عُمان، بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم؛ وهي بقدر ما كانت تكليفًا لحمل الأمانة، إلا أنّها في الوقت نفسه، تدلّ على أنه أهلٌ لتحمّل تلك الأمانة، لما توسّم فيه السلطان الراحل رحمه الله، من صفات تؤهله لقيادة عُمان في المرحلة المقبلة؛ وهي في الواقع مهمة ليست سهلة، خاصةً فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية. لكنّ الأمل في التغلب على تلك التحديات كبيرٌ جداً؛ فالسلطان الجديد يعرف الأوضاع الداخلية – تمام المعرفة -، بحكم حضوره جلسات مجلس الوزراء لفترة طويلة، ممّا أهله أن يتابع كلّ ما يُطرح في المجلس من القضايا الداخلية، كما أنّ فترة عمله في وزارة الخارجية، لفترة طويلة أيضًا، جعلته ملمًا بالسياسة الخارجية العمانية المميزة.
على الصعيد الخارجي لا خوفٌ من تغيّر بوصلة السياسة الخارجية العمانية؛ إذ هي سياسة ثابتة تستمد مقوماتها من الثوابت التي أرساها السلطان الراحل، وكذلك من الموقع الجغرافي الفريد لعُمان، الذي فرض عليها تبني سياسة إقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وهذا أهّل عُمان أن تقوم بدور الوسيط بين الأطراف المتنازعة، وأن تكون مقبولة من كلّ الأطراف.
ولعله من المفيد أن أتناول في السطور التالية من مقال كتبته وفاء العم، وهي إعلاميةٌ بحرينية، نشرته في موقع «الميادين» بتاريخ 21 يناير 2020، بعنوان «عُمان.. الدبلوماسية الناعمة بين عهدين»؛ إذ إنها ركزت في مقالها على مستقبل عُمان، وعلى نهج السلطان الجديد هيثم بن طارق ومما جاء في المقال:
(«كأنّ السلطان قابوس لم يرحل». هكذا وصف دبلوماسي عمانيّ مستقبل عُمان السياسي في الداخل والخارج؛ فعلى خطى المؤسّس وعد السلطان الجديد هيثم بن طارق، العمانيّين بأن يمضي. وتذهب التوقعات إلى أنّ عُمان قد تشهد نهضة ثقافية واهتمامًا أكبر، تنافس نظيراتها الخليجيات في هذا المجال، على اعتبار أنّ الرجل شغل منصب وزير التراث والثقافة، وكُلّف في أوائل الألفية بوضع الرؤية المستقبلية لعمان 2040 من قبل السلطان الراحل. كلّ القراءات تذهب إلى أنّ تحولا اقتصاديًا قد تشهده البلاد، وفي الحقيقة موقع عُمان الاستراتيجي يسمح لها بهذا التحول، وتدعمه في ذلك عوامل متعدّدة واستقرار اجتماعي وإجماع داخلي داعم لحاكمها ولتوليه دفّة حكم عُمان ومستقبلها).
وإذا كانت وفاء العم، قد ركزت على الانتعاش الاقتصادي، فإنّ الواقع يؤكد أهمية الاهتمام بالاقتصاد، وهذا ما سبق لي أن أشرتُ إليه في أول مقال كتبته بعد رحيل السلطان قابوس رحمه الله؛ ففي مقالي «لننظر إلى الأمام»، الذي نشرتُه صباح السبت 11 يناير 2020، ذكرتُ التحديات التي تنتظر العهد الجديد، وقلت «إنّ ما نحتاج إليه في هذه اللحظة التاريخية، هو تقويةُ الجبهة الداخلية؛ فعندما تكون الجبهة الداخلية قوية ومتماسكة – في أيّ بلد من البلدان في العالم -، فإنّ ذلك يشكِّل ضمانًا أكيدًا ضد أيّ مؤامرات وتدخلات خارجية ومتانةُ الاقتصاد هي السبب الأساس لتقوية الجبهة الداخلية؛ فإذا كان الاقتصادُ سليمًا، فإنّ بقية الجسد سيكون سليمًا؛ فما أحوجنا إلى تقوية الاقتصاد العماني؛ لأنّ عبارة «تنويع مصادر الاقتصاد»، التي تردّدت عبر وسائل الإعلام العمانية سنوات طويلة، لم تتحقق؛ إذ ظلَّ الاعتماد فقط على النفط كمصدر أساس للدخل».
حقيقة؛ إنّ الموقع الاستراتيجي الفريد لعُمان، إذا تم استغلاله الاستغلال الجيد، فهذا وحده ضمانٌ أكيد بازدهار الاقتصاد العماني، وقد قيل – وما قيل حق – : «ليس المهم الموقع الاستراتيجي؛ بل المهم هو العقل الاستراتيجي»، وهو الذي نحتاجه الآن؛ فوَعْيُ الإنسان العماني، ارتقى ووصل إلى المستوى الذي يؤهله بأن يعلم ما ينفع الوطن وما يضرّه، وقد رأينا ذلك بكلِّ وضوح، في قضية الإعلان عن بيع أسهم شركة النفط العمانية، وكذلك بيع 49% من شركة الكهرباء، ممّا يجعلنا نعيد الكلام مرات ومرات، أنّ على الحكومة أن تعيد النظر في مسألة بيع الأصول للمستثمرين الأجانب، فقد رأينا ما رافق الإعلان عن بيع تلك الحصة من الكهرباء من رفضٍ وتفاعلٍ كبيرَيْن في مواقع التواصل العديدة.
والمتابع لمقالات الكتاب العمانيين وكذلك للتغريدات الكثيرة، يلاحظ أن جلّ التركيز كان على الوضع الداخلي، وخاصة الاقتصاد، وهذا يؤكد فعلا أننا بحاجة إلى خطوات جادة وملموسة للعمل على تقوية الاقتصاد العماني، من خلال العمل الجاد، والبحث عن مصادر دخل جديدة وقوية ودائمة وإذا كان المطلوب الآن هو تغيير الطاقم المسؤول عن الاقتصاد، وإعطاء جيل الشباب فرصته لإدارة شؤون البلد؛ إلا أنّ الأهم من ذلك هو إصلاح المنظومة برمتها، فلا معنى لتغيير وجوه بدلا من وجوه، مع استمرار السياسة نفسها.
ومن خلال متابعتي لتغريدات المواطنين، فإنّ ممّا يرجوه المواطنون من جلالة السلطان المعظم، في المرحلة المقبلة، التشديد على قضاء الفساد، وإعادة النظر في المناقصات التي تُطرح بمبالغ خيالية، مع التركيز على تقليل النفقات، بما في ذلك دمج الكثير من الوزارات والمؤسسات التي تتداخل صلاحياتها مع بعضها البعض، ممّا يربك المواطنين.
وهناك ملف مهم ينتظر البت فيه بجدية، وهو قضية إيجاد العمل للمواطنين، وإحلالهم مكان العمالة الوافدة؛ ومسألة إيجاد العمل لا تدل على التعيين في الوظيفة الحكومية، بل الاهتمام بإيجاد الأعمال للمواطنين، ويكفي أن الوافدين الذين يسيطرون على القطاع الخاص السيطرة التامة يبلغ عددهم الآن نصف عدد سكان عُمان.
وما ذهبتُ إليه عن ضرورة الاهتمام بالوضع الاقتصادي، ربما هو ما ذهب إليه أكثرُ من كتَبَ عن العهد الجديد في عُمان. وهناك من قدّم صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي في عُمان، مثل مقال الكاتب ممدوح الولي، الذي كتب مقالا لموقع «عربي 21»، بتاريخ 19 يناير 2020، تحت عنوان «تصاعد ديون عُمان.. رغم صادرات النفط والغاز»، ذكر فيه أنّ ديون السلطنة الخارجية تستهلك 97% من إجمال الناتج القومي، وقدّم الكاتب صورة قاتمة السواد عن الاقتصاد العماني، بل إنها صورة مُحبِطة، يجب أن يهتم بها المسؤولون، لكي يعالجوا الأمر؛ وهناك من غرّد تغريدات تصف الوضع الاقتصادي في عُمان، أظن يحتاج الالتفات إليها.
ومن هذه التغريدات، تغريداتُ الأستاذ عادل مرزوق، رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر وعمل مديرًا للتلفزيون العربي؛ ومديرًا للملفات السياسية والمحلية في صحيفتي الوسط والبلاد البحرينيتين، الذي غرّد في ٣١ أكتوبر ٢٠١٩، عدة تغريدات عن الوضع الاقتصادي الصعب واختتمها قائلا:»نعم؛ لسلطنة عُمان منجزاتها في السياسة الداخلية عبر تقديمها نموذجًا مميزًا في التعايش والتعددية. وللسلطنة سياساتها الخارجية المميزة والوازنة لكن عُمان أصبحت عاجزة ماليا؛ بل هي تنهار اقتصاديًا والحلول «ممكنة» مع ما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية الإصلاح أصبح ملحاً ولا مفر منه».
واضحٌ جدًا أنّ التحديات التي تواجه العهد الجديد يتركز معظمها على الوضع الداخلي، ويأتي الاقتصاد في المقدمة؛ والمطلوب جهد كبير للتغلب على المشكلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق