مقالات

بيروت: باريس الشرق

علي الريامي
أكاديمي بجامعة السلطان قابوس

بيروت التي عرفت “بباريس الشرق” لطالما كانت مدينة للحب والحياة .. تستيقظ كل صباح على همسات الموج حين يلامس الحواف لصخرة الروشة.. وأشجار أرز الرب تتماوج بخضرتها على جبالها الساحلية.. تغني على أنغام موسيقى توفيق الباشا والأخوين رحباني، وصوت فيروز ووديع الصافي والشحرورة صباح .. تهيم عشقاً بأشعار الأخطل الصغير.. تستذكر روائع جبران، وميخائيل نعيمة، وأمين معلوف، وسلسلة ممتدة لا تكاد تنقطع من الأدباء والشعراء والمفكرين..
ما فتئت بيروت مدينة الجمال والثقافة مكلومة على الدوام، لم تكد تستفق من حربها الأهلية التي استمرت عقداً ونصف منذ العام 1975، مروراً بعملية الصنوبر الإسرائيلية واحتلال بيروت، ومجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982م، وصولاً لحادثة اغتيال رفيق الحريري في العام 2005م، ثم تلاه العدوان الإسرائيلي في العام 2006م، الذي استمر 34 يوما متواصلة، مخلفاً دماراً هائلاً في البنية التحتية، وحالة الانهيار الاقتصادي مؤخراً، حتى يتواصل مسلسل المحن لتحول لبنان إلى دولة هشّة، رغم ما تملك من مقومات، فباتت تتقاذفها الأزمات تلو الأزمات، لتبدو مستعصية على السلام والوئام، غارقة في متاهات الطائفية والتحزبية، فعندما يختلف الساسة، يتجرع الشعب المرارة.
الليطاني والعاصي يسحان دموعهما ليل نهار حتى تكاد تجف، وتربة سهل البقاع، وتلاله الأثرية تتآكل من الحزن، ومغارة جعيتا التي تراقصت يوماً صواعدها وهوابطها على أنغام مقطوعات الموسيقار الألماني كارل هاينز شتوكهاوزن لا تملك لملمت تصدّعاتها، وأرواح الفنيقيون تراقب المشهد السريالي لتداعيات الانفجار العظيم الذي أصاب بيروت الوادعة في لحظة ذهول.
كنت قد زرت بيروت مرتين تقريبا آخرها كان قبيل ثورات الربيع العربي، تخيلتها حورية تمشط شعرها الأشقر على حافة المرفأ، تغتسل بملح البحر الذي سرعان ما يتحول إلى بلورات سكر.. مآذن مساجدها تصدح الله أكبر، ونواقس كنائسها تدق هي الأخرى في ذات الوقت أحيانا.. كنت أرقب عن قرب خطى ألوان من البشر وهي تعبر ساحة السولدير إلى شارع الحمراء حيث تصطف المقاهي، فبيروت تحب الحياة رغم المآسي والمحن.. وبيروت مدينة لا تنام فالحالمون فيها كثر لا يعرفون سوى الحركة.. وستنهض بيروت من تحت الركام فهذا قدرها تشتعل الحرائق فيها، لكنها تولد من جديد…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق