مقالات

دول الخليج بين مطرقة الداخل وسندان الخارج

د. سيف الرمضاني

 

دول الخليج بفضل عوائد النفط التي كانت تجنيها طوال العقود الستة الماضية استطاعت حتى الآن المحافظة على كياناتها ونسيجها الاجتماعي المتوائم كأسر حاكمة ومجتمعات ريعية غير منتجة تعيش على ما تقدمه لها الوظيفة الحكومية من رواتب للأفراد ومناقصات مليونية للقطاعات الخاصة.
ومع الظروف الحالية الضاغطة من انخفاض مداخيل النفط وتبعات وباء كورونا الاقتصادية وزيادة أعداد السكان وضغطها على الخدمات اضطرت الحكومات في المنطقة إلى فرض العديد من الإجراءات الاقتصادية التصحيحية كرفع الدعم عن الخدمات وفرض حزم من الضرائب على السلع والخدمات ، وتقليل الرواتب والامتيازات المالية ، وإرجاء العديد من المشاريع التنموية.

الحكومات في المنطقة بين أمرين أحلاهما مُرّ ؛ فإما أن تقوم بإرضاء الداخل بالاستمرار في الممارسات الريعية التي أوصلت الدول إلى هذه الحال ، وعندها ستقوم ( الدول الكبرى ) ومن خلفها البنك الدولى ، وصندوق النقد الدولى بتضييق الخناق عليها ، وإما أن تنفذ ما تطلبه ( الدول الكبرى ) وعندها سيثور عليها المجتمع الريعي.

إذن ؛ ما هو الحل ؟
الحل في الجلوس إلى كلمة سواء بين الحاكم والمحكوم والرئيس والمرؤوس لوضع خطة مستقبلية للخروج من هذا الوضع الشائك الذي يبدو أنه سيستمر طويلاً يخفت تارة ويظهر أخرى.

ولن يكون ذلك إلا بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية متزامنة تعطي كل ذي حق حقه من الحقوق وتفرض عليه من الواجبات الملزمة له نحو وطنه ومجتمعه.
بالنسبة للسلطنة فهي – في نظري – قد تكون الأفضل حالاً عن البقية وتشترك معها في ذلك البحرين ؛ فهما الدولتان الوحيدتان اللتان يعملان بنظام الثنائية البرلمانية وعبر انتخابات حرة مباشرة للمجلس المنتخب.

كما أن السلطنة تتميز عن الجميع – في عهد جلالة السلطان هيثم حفظه الله – بوجود رؤية عمان ٢٠٤٠ التي أشرف جلالته على وضعها منذ أكثر من سبع سنوات في عهد السلطان الراحل رحمه الله بمشاركة مجتمعية واسعة ؛ متضمنة إصلاحات هيكلية سياسية واقتصادية.

إذن ما هي المشكلة ؟
قد يكون الإشكال الحاصل هو عدم مزامنة الإصلاحات السياسية مع الإصلاح الاقتصادي ؛ فتم رفع الدعم وفرض الضرائب على السلع والخدمات ، وتحديد الأجور والامتيازات ، وترشيد الإنفاق ؛ في الوقت الذي تم فيه إرجاء منح مجلس عمان صلاحيات التشريع والرقابة الكاملة كما نصت عليها الرؤية ، وتعزيز دور الإعلام في الرقابة ، وإرساء مفهوم المساءلة والمحاسبة ، وكلها أمور تضمنتها الرؤية وتحدث عنها جلالته في خطاباته السابقة.

تأخير هذين الموضوعين قد يكون ريثما يتم تعيين رئيس لمجلس الوزراء مُساءَل من قبل جلالته ومجلس عمان وبتشكيلة وزارية مصادق عليها منهما ، إِذْ لا يمكن منح مجلس عمان الصلاحيات التشريعية والرقابية الكاملة ما لم يتم تحديد أدوار السلطة التنفيذية وبقية السلطات ، وضمان عدم تغوّل بعضها على بعض بإنشاء محكمة دستورية للفصل بين السلطات وفق مواد النظام الأساسي للدولة.
وحينها ستكتمل منظومة الرقابة والتشريع عبر فصل السلطات وتحديد أدوارها في عملية البناء والتنمية.

المستقبل في السلطنة يبشر بالخير العميم وأيام بهية مشرقة لعمان وأهلها في ظل قيادة جلالة السلطان هيثم – حفظه الله – لدفة التغيير والإصلاح التي بدأت بشائرها منذ اليوم الأول لتسلم جلالته مقاليد الحكم في البلاد.
ما على الجميع الآن هو الصبر قليلاً ، والتكاتف يداً بيد مع جلالة السلطان المعظم نحو مستقبل أكثر بهاء وتقدماً ونماء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق