مقالات

رسائل إلى صديقي السري

مروة يعقوب

صديقي العزيز..
بعض العلاقات تبلغ من الهشاشة ما يجعلها تنتهي بنسيان ذكرى ميلاد أو تفويت مكالمة أو التأخر بالرد على رسالة، غير مستعجلة غالبا! ولهذا، تتبدل أدورانا في حياة الناس مثلما تتبدل منازلهم بداخلنا.
في تلك الأحوال عليك أن تتذكر أن لكل شيء دورة حياة عليه الاستمرار عليها ليبقى، فلا تحزن لوقت طويل على ما يمر عبر شقوق الظروف هربا منك، لأن هناك من سيأتيك باحثا عن كماله بك.
تذكر، من يطلب منا البقاء بجانبه يوما ليس بالضرورة أن يبقى عند رغبته تلك للأبد، فهناك التمدد الذي تمارسه الظروف فتضمر بسببها مشاعر كانت في قمتها قبل أن تستوي إلى الأرض، واحذر كل ما اتسع وتمدد فذلك يستعدي منك بذل الجهد باستمرار، وبقدر متزايد.
كن بخير
نفسك

كيف عساي أن أفتتح رسالتي هذه معك؟
أي تركيبة من التحايا تليق بك؟
لو تعلم كيف تسيطر وتتحكم بي الكتابة، تثور الأفكار من ناحية وتنزلق الكلمات من أخرى، فلا أكاد أستوعب فكرة إلا فقدت القدرة على تشكيلها في قالب واضح من الأحرف.
دعني أخبرك أمرا، في بداية هذا العام، وبالتحديد الأسبوع الأول من شهره الأول، كتبت على قائمة أهدافي هدفا ظنته صديقتي غريبا وطريفا، كتبت:
أريد تغيير ضحكتي.
صدقني لقد حاولت تغييرها، لكنني اكتشفت بأنني أمتلك أكثر من ضحكة واحدة، ولكل واحدة ظروفها التي تنطلق فيها من بين أسناني، أو بملى فمي، أو من بين أصابعي التي أرصها ببعضها جيدا وأثبتها على شفاهي كي لا يتطرف صوتي على جو المكان.
وإن كنت تسألني عن السبب الذي دفعني لمحاولة تغيير ضحكتي، فإنني لا أملك سببا واضحا غير أنني بحاجة لشيء يلسع شعوري بالحياة، فلا تكون رتيبة وعادية!

صديقي العزيز..
لا يمكننا تقويم كل شيء، ومع ذلك نحاول، فالأشياء لا تبق ثابتة كذلك.
كما أننا في حوادث كثيرة لا نستطيع منع الأسباب لكننا نملك القدرة على التحكم بحجم تأثيراتها علينا أو تحويلها إلى منافع على الأقل!
وإنني لأجد من المجدي إخبارك هنا، بأنني أسبق التحولات بفتح الاحتمالات في عقلي لكل موقف أو شخص أو حالة، بذلك أقلص الضرر إن وقع، وأتحكم بالدهشة إن أربكت ثباتي واستمالتني إلى أقصى مشاعر السعادة.

صديقي الذي لا يملك صوتا أسمعه، ولا خطـًا أكيل الضحكات حين أتهجّى ما كتبه،
صديقي السري..

أشعر أحيانا بأنني موجة مشاغبة هاربة عن بحرها، أو بريق نجمة ذاب وتكور على رأس عصفور، أو نوتة متمردة انفلتت عن حفل موسيقي مُنع العامة عن حضوره لخصوصيته، وأجدني بأحيان أخرى صوت الريح المنسل بين ثقوب الشجر وفتحات الهواء في برج طويل، صوت يحب حريته ويتحاشى المرور حيث يكون إنسانًا.
كم من مرة شعرت برغبة حارقة للاختباء في كتاب، أو الضياع بين دقائق مسلسل تتجاوز مواسمه العدد خمسة، وحين أنعم بعزلتي أجدني في ساعة ما أتشوق لأشاهد التلفاز مع أحد، أو يشاركني اللعب أو حتى التمتع بوجبة خفيفة، قد تكون علبة بسكويت مملح!
ها نحن مجددا، حيث لا يمكنني تقديم نفسي إليك جيدا، ولا يمكنك إيقافي لتسألني عن بعض التوضيحات، وفصل الجمل عن بعضها عبر التفاصيل الدقيقة التي تنفي التناقضات، وإن كان علينا أن نركز على شيء لفهم خليط المشاعر ذاك هو أنني خلقت بشرا.
نفسك

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق