الفني

مركز فيينا لفن الخط .. منارة ثقافية جديدة تشع من النمسا

يحظى فن الخط باهتمام كبير في الدول التي تعي تراثها المادي والثقافي، ومن ثم تفتتح المراكز المتخصصة لدراسته، والمتاحف لاقتناء مراحل تطوره، وفي ضوء ذلك شهدت العاصمة النمساوية حدثًا ثقافيًا متميزًا وفريدًا، هو افتتاح «مركز فيينا لفن الخط Vienna Calligraphy Center»، في شهر سبتمبر الماضي (2018) كمبادرة ثقافية غير ربحية من الفنان التشكيلي العربي، الأردني الأصل، عبد الوهاب مسعود، مدير متحف الخط العالمي بفيينا؛ ليكون المركز الأول من نوعه في الجمهورية النمساوية ووسط أوروبا؛ بهدف احتضان الحراك الفني والثقافي المرتبط بفن الخط بغض النظر عن اللغة التي يُكتب بها، وتوعية الجمهور بهذا الفن، وبيان أهمية النصوص المكتوبة بخط اليد، وتعزيز الاهتمام بالكتابة اليدوية.

د. علي عفيفي علي غازي
صحفي وأكاديمي مصري

وذلك من خلال ورش تدريبية، وتنظيم المعارض والمحاضرات والندوات والمؤتمرات، وتدريس أساليب الكتابة باللغات، التي ينطق بها أعضاء جمعية فيينا العالمية لفن الخط، في خطوة تهدف إلى تعريف المجتمع بهذا الفن. وسيُقدم المركز العديد من النشاطات من أجل تعزيز أهمية التعددية اللغوية، والتفاهم بين الثقافات، والحوار بين الحضارات، والحفاظ على المعلومات الخاصة بتاريخ هذا الفن، ولأرشفة وتوثيق تاريخ فن الخط في الجمهورية النمساوية، وتقديم هذه المعلومات لزوار المركز، ولجميع المهتمين. كما يهدف المركز إلى التركيز على طرح موضوع فن الخط والفنون المصاحبة له، وإعداد البحوث المرتبطة بتاريخ فن الخط وفنون الحروفية.
تشهد الساحة الفنية النمساوية استقرار عدد من الخطاطين والحروفيين، الذين استلهموا فن الخط في أعمالهم الفنية، وفدوا من بلدان متعددة، وهو ما أوجد الضرورة للحفاظ على هذه الثروة والفنون متنوعة اللغات، مما أضفى على فن الخط في النمسا لمسات الحداثة والمعاصرة، ومن ثم يسعى المركز لأن يكون بوتقة تنصهر فيها الفنون والثقافات المختلفة والمتعددة، من خلال تقديم زخمٍ فني فريد ومتنوع؛ لتحفيز الاهتمام بفن الخط وبالفنون المرتبطة به، والاستفادة منه، ورعايته من قبل المجتمع المحيط، ويهدف لتسليط الأضواء على أهمية الخط في العصر السيبراني، الذي يشهد سباقات كونية للتقانة والثورات الرقمية المهيبة، ومن ثم ساد فيه استخدام الخطوط الرقمية، فكان من الضروري الحفاظ على هذا الإرث القيّم، والمرتبط بفن الكتابة اليدوية للأجيال الجديدة كي يربطها بجذورها وبتراثها، كما يهدف المركز كذلك لنشر المهارات والمعارف المرتبطة بفن الخط العربي، ونشر المعرفة الخطية والترويج لها، ليكون مكانًا للثقافة والتعليم، ومساحة إبداعية مفتوحة لجميع المهتمين؛ لتبادل المعرفة والمهارات بين الفنانين والزائرين والطلاب. ويُمكن فيه تبادل الأدوار، والسماح للضيوف بمعرفة عميقة عن خلفية هذا الفن، وتمكينهم من النظر خلف كواليسه، إذ إن إدراك الجمهور لأهمية الخط، وإيقاظ اهتمامهم بتعلّم أنماط الكتابة المختلفة أمر ضروري لإيجاد لغة الحوار بين الخطاط والمتلقي.
يسعى مركز فيينا لفن الخط من خلال نشاطاته لإيجاد مكان متميز بين المؤسسات المدنية الدولية المهتمة بفن الخط، وسينظم بالتعاون مع المؤسسات المهتمة بفن الخط، والفنون المرتبطة به، سواء في أوروبا أو في العالم العربي والشرق الأوسط نشاطات متنوعة بهذا المجال. وقد افتتح المركز أولى فعالياته بمعرض جماعي دعي للمشاركة فيه عدد كبير من المهتمين بفن الخط من كل بقاع الكرة الأرضية، سيستمر حتى شهر مارس القادم (2019)، يضم 50 عملًا فنيًا خطيًا، لأعضاء جمعية فيينا العالمية لفن الخط، شارك فيه خطاطون وفنانون تشكيليون وحروفيون من النمسا، فنلندا، ألمانيا، هولندا، إيطاليا، سوريا، أمريكا، أستراليا، الأردن، إيران، وسويسرا، ومن المشاركين مساعد رئيس جمعية «إرسكربندي» الألمانية، وجمعية فن الخط السويسرية، ورابطة المرأة الأردنية النمساوية. حيث افتتحته رئيسة بلدية «مايدلينج Meidling»، الحي الثاني عشر، «جابريلا فوتوفا Gabriela Votava»، والتي أعربت في كلمتها الافتتاحية عن تقديرها لفكرة المركز، الذي سيكون له اهتمام ليس فقط بالأشخاص البالغين بل بجيل اليافعين، الذي يُعاني من إدمان التكنولوجيا الحديثة: الهواتف النقالة أو الألواح الالكترونية أو أجهزه الحاسوب.
يُعرب عبد الوهاب مسعود، مدير المركز، في كلمته الترحيبية، عن تقبل فكرة المركز كمؤسسة ثقافية في العاصمة النمساوية، ووضح أهمية دور المركز في الحفاظ على هذا الفن الراقي للأجيال القادمة، وتوثيق تاريخ فن الخط عامة، والخط النمساوي خاصة، وتسهيل الحصول على معلومات عنه للراغبين أو الدارسين، مؤكدًا على ثقته بنجاح المركز في تحقيق أهدافه، وفكرته التي بُنيت على أُسس قوية من خلال المباحثات مع عدة مؤسسات ثقافية معنية بهذا الفن في أوروبا، وسيتم انطلاق عدد من المشاريع الفنة والنشاطات العالميه، التي سيُعلن عنها قريبًا، وتنظيم عدد من الندوات في شهر يونيو القادم (2019) بالتعان مع المركز الدولي لأبحاث الخط التابع لإحدى الجامعات البريطانية، وأعرب عن أمله في أن يكون هناك تعاون مع المراكز العربية والآسيوية المعنية بفن الخط، لتقديم مخزونها للجمهور النمساوي المهتم بهذا الفن الأصيل. مشيرًا إلى أنه سيتم بالتعاون مع البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون إعداد احتفالية باليوم العالمي للغة العربية، الموافق 18 ديسمبر من كل عام، وسيتم إطلاق حلقة عمل بالتزامن مع الاحتفالية على أيدي خطاطين عالميين؛ بهدف التعريف بالمركز ونشاطاته. وأخيرًا رافق حفل الافتتاح عزف على الدُف للموسيقي حمید رضا أجاقی.
ويقدم مركز فيينا لفن الخط للزائرين أمثلة فريدة من الكتابة اليدوية النمساوية المعاصرة والقديمة، تتكون من مزيج استثنائي من الأعمال الفنية الخطية والحروفية والجرافيكية، التي تمت كتابتها على أيدي الفنانين والخطاطين، الذين عاشوا أو يعيشون ويعملون في الجمهورية النمساوية، وتتضمن المجموعة أعمالا وكتابات تمثل الكتابة اليدوية في كل من آسيا وأفريقيا وأوروبا. ويرحب المركز بزواره، ويقدم لهم خدمة استخدام المكتبة، التي تتوفر بها كتب ومجلات متخصصة بفن الخط باللغات الألمانية والإنجليزية والعربية والتركية، ويعمل المركز باستمرار على توسيع قاعدة مكتبته، إذ إن الهدف الأهم من وراء تأسيس مركز فيينا لفن الخط هو تسليط الضوء ليس فقط على تاريخ فن الخط النمساوي؛ بل وعلى الأشخاص الذين شاركوا بكتابة هذا التاريخ في الماضي، والفنانين المعاصرين؛ لجلب الانتباه لهؤلاء الفنانين وتقديرهم على ما قدموا ويقدمون لهذا الفن.
ويهدف البيت العربي النمساوي للثقافة والفنون، إلى أن يكون كيانًا ثقافيًا عربيًا يوثق ويعمق العلاقات النمساوية العربية، ويعنى بتقديم الثقافة العربية بشكل منهجي عبر الوسائط الثقافية المتعددة، وتأتي في مقدمتها المكتبة، والتي تعد ركنًا أساسًيا في مشروع البيت، إذ يُخطط لها أن تحوي أبرز الإبداعات في كافة مجالات الآداب والفنون والعلوم الإنسانية والعلمية، المنتجة في العالم العربي، وجعلها متاحة للقراءة والاستعارة، وأن تكون قاعة المكتبة مكانًا لندوات متخصصة للتعريف بالمبدعين والكتاب العرب، واستضافتهم للتحاور معهم حول إبداعاتهم مع نظرائهم في النمسا ودول الجوار الأوروبي، ويوفر كذلك قاعة لعرض الأفلام والمسرحيات القصيرة المنتجة في العالم العربي، وإدارة النقاش حولها، وقاعة الاستماع الموسيقية، وتحوي مكتبة موسيقية تضم أعمال المبدعين العرب في هذا الجانب من جوانب الإبداع، كما تكون مكانًا للاستماع ودراسة الموسيقى العربية. ويخطط في إطار البيت العربي احتواؤه على قاعة عرض لأعمال الفنانين العرب والأوروبيين، ويمكن أن تحوي كذلك مرسمًا لرعاية الفنانين العرب في النمسا، ووحدة لتعليم الخط العربي. ويحوي البيت وحدة للبحوث والدراسات والنشر، تتولى إعداد الدراسات الضرورية حول القضايا والشؤون العربية، باللغة العربية، لخدمة التنوير والتثقيف في أوساط الأقلية العربية المقيمة في النمسا ودول الجوار، وبالألمانية للمهتمين من الجانب النمساوي خاصة والأوروبي عامة. كما تهتم بمتابعة رصد ومتابعة ما ينشر في وسائط الإعلام النمساوية ودول الجوار حول القضايا والشؤون العربية، وتعمل الوحدة على تصحيح المفاهيم المغلوطة حول تلك القضايا. وتهتم بإقامة علاقات تعاون وتحاور مع دور النشر والمراكز الثقافية والوسائط الإعلامية النمساوية والأوروبية؛ لشرح وجهة النظر العربية. كما سوف يحوي المشروع وحدة طباعة مجهزة تخدم أهداف البيت، وتسوق لمشاريعه، وتقدم بعضًا من إنتاج وحدة الدراسات والبحوث به. وتوفير قاعة مجهزة لدراسة اللغة العربية، تقدم خدماتها للراغبين من النمساويين، المبتدئين والدارسين للعربية في المعاهد النمساوية الذين يحتاجون إلى تعميق دراستهم لهذه اللغة. ويحوي مكانًا مناسبًا للالتقاء والتعارف في جو عربي، يتجاور فيه أبناء الثقافة العربية ومحبيها والراغبين في التعرف عليها، ويراعى أن يؤسس على الطراز العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق