الثقافي

الباحثة بهية العذوبي تكشف التاريخ السياسي والحضاري لمنطقة القابل

 

خلال الفترة: 1273هـ/1856م – 1373هـ/1954م

 

لعبت منطقة القابل دورا سياسيا وحضاريا مهما في الفترة من عام 1856- 1954م، حيث كانت مقرا لزعامة القبائل الهناوية والذراع الأيمن للقوة السياسية للإمامة ، كما كان لها دورا مزدوجا ومتفاوتا في فترات تاريخية مختلفة وذلك من خلال قيامها بهجمات على مسقط ومطرح من جهة، ودورها في الحد من الصراعات بين الإمامة والسلطنة من جهة أخرى، إلا أن الدور الكبير لهذه المنطقة لم يقتصر فقط على الناحية السياسية، إذ برز دورها الحضاري باعتبارها قبلة لعدد كبير من العلماء والأدباء والفقهاء من شتى أنحاء عمان وخارجها.

وجاءت هذه الدراسة للباحثة بهيه بنت سعيد بن جمعة العذوبي، التي صدرت عن مؤسسة بيت الغشام، لتسلط الضوء على هذا الكيان القبلي وذلك بمعرفة دوره السياسي والعلمي في مجريات الأحداث التاريخية في عمان في فترة الدراسة الممتدة من عام 1273هـ/1856م وهو العام الذي توفي فيه السيد سعيد بن سلطان، والذي بدأت فيه الصراعات بين أبنائه في مسقط وزنجبار، ولتنتهي بالعام 1373هـ/1954م وهو العام الذي توفي فيه الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، وبدأت فيه الصراعات بين الإمامة والسلطنة.

وتكمن أهمية الدراسة في عدة أسباب منها: كونّها أول دراسة منهجية متخصصة تتناول التاريخ السياسي والحضاري للقابل، إذ لم توجد دراسات سابقة عنها إلاّ بعض الإشارات عن تاريخها السياسي كونها مركز ثقل سياسي في تلك الفترة من تاريخ عمان.

كما أن الدراسة تسلط الضوء على الدور الكبير الذي لعبته القابل في فترة الدراسة سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو الحضاري في عمان في ظل هيمنة النفوذ البريطاني في المنطقة، والدور العلمي للقابل وذلك من خلال العلماء والأدباء والفقهاء والشعراء ممن كان لهم دور في الرقي بالحياة الفكرية والثقافية في عمان. إلى جانب إبراز الدور الاقتصادي ومدى تأثيره في الحياة الاجتماعية في تلك الفترة.

وقد اتبعت الباحثة في هذه الدراسة المنهج الشفوي المعتمد على الدراسة الوصفية للحياة الاقتصادية من خلال الروايات الشفوية، والمنهج التحليلي القائم على دراسة الأحداث السياسية والحياة العلمية. وقسمت الباحثة كتابها إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.

وقد شمل الفصل الأول التاريخ السياسي لمنطقة القابل في الفترة (1273هـ/ 1856م ــ 1314هـ/ 1896م) وذلك من خلال إبراز أهم الأحداث السياسية بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان، والدور الكبير الذي لعبه الشيخ صالح بن علي الحارثي في تلك الأحداث، وفي قيام الإمامة عام 1285هـ/1868م وصولا إلى وفاته عام 1314هـ/1896م.

أما الفصل الثاني فتناول الأحداث السياسية في منطقة القابل في الفترة من عام 1314هـ/1896م، عندما تولى الشيخ عيسى بن صالح الحارثي المشيخة في القابل، وصولا إلى عام 1373هـ/1954م عندما توفي الإمام محمد بن عبدالله الخليلي في ظل مشيخة الشيخ صالح بن عيسى الحارثي، وذلك من خلال إبراز الدور الكبير الذي لعبه الشيخ عيسى بن صالح في تلك الفترة، ودور أبنائه من بعده محمد وصالح.

وخصصت الباحثة الفصل الثالث للحياة العلمية والفكرية من خلال إبراز دور القابل العلمي كقبلة لعدد كبير من العلماء والمفكرين، ولعل من أبرزهم العلامة نورالدين السالمي، وأهم المدارس العلمية والفكرية في تلك الفترة المهمة، وأبرز مفكريها وعلمائها وأهم المنشآت الحضارية فيها.

أما الفصل الرابع فقد تناول الحياة الاقتصادية من خلال إبراز أهم الأراضي الزراعية، وأهم المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية، ووسائل الري من أفلاج وآبار وعيون، وطبيعة النشاط الصناعي في القابل وذلك بدراسة أهم الصناعات فيها مثل النسيج والسعفيات والصياغة،كما ضمنت الباحثة هذا الفصل الأسواق التجارية والنظم المالية والأوزان والمكاييل والنقود وأخيرا الخاتمة التي تضمنت أهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسة.

مركز ثقل حضاري

وفي ختام دراستها تؤكد المؤلفة أن الدراسة عن التــاريخ السياسي والعلمي والاقتصادي بمنطقة القابل في الفترة من(1273هـ/1856م ـــــ 1373هـ/1954م) أظهرت مدى قوة هذه المنطقة في صراعاتها السياسية ومدى ثقلها كمركز علمي وفكري استقطب عددا كبيرا من العلماء. وقد توصلت من خلال دراستها إلى عدة نتائج، إذ كشفت الدراسة عن الأثر السياسي الذي تركته وفاة السيد سعيد بن سلطان عام 1273هـ/1856م في تأجيج الصراعات على السلطة بين أبنائه في عمان وزنجبار وما ترتب عليه من حركات سياسية أسهمت في إشعال جذوة الصراعات القبلية بين قبائل عمان.

كما أوضحت الدراسة الدور السياسي البارز الذي لعبته منطقة القابل من خلال بروز عدد كبير من مشايخها ومنهم الشيخ صالح بن علي الحارثي زعيم القبائل الهناوية الذي قاد عدد كبير من الهجمات على مسقط ومطرح وذلك في الفترة من عام(1285هـ/1868م ــــــ 1313هـ/1895م) .

وأظهرت الدراسة مدى الثقل السياسي في منطقة القابل والذي لم يقتصر مداه على أراضي عمان فحسب بل امتد إلى أراضي زنجبار وذلك من خلال تخطيط الشيخ صالح بن علي الحارثي في عمان والشيخ هلال بن عامر الحارثي في زنجبار للهجوم على مسقط ومطرح بهدف إعادة الوحدة بين عمان وزنجبار في عام 1313هـ/1895م.

كما بينت الدراسة الدور السياسي الكبير للشيخ عيسى بن صالح الحارثي في منطقة القابل ومدى براعته السياسية والعسكرية كزعيم للقبائل الهناوية بعد وفاة والده والذي لعب دورا كبير في عدد من الصراعات السياسية في المنطقة الشرقية وعمان.

اتضح من الدراسة الدور السياسي الكبير الذي حاولت أن تلعبه الحكومة البريطانية في سلسلة النزاعات والصراعات بين السلطنة والإمامة وتدخلها للحد من ذلك بهدف حماية مصالحها الاقتصادية في المنطقة.

من جانب آخر أظهرت الدراسة مكانة منطقة القابل العلمية والفكرية التي كانت قبلة لعدد كبير من العلماء والمفكرين وذلك من خلال المدارس العلمية وأهم العلماء والمفكرين الذين تخرجوا منها.

وأخيرا كشفت الدراسة عن مدى تأثير الاقتصاد على الأوضاع السياسية والاجتماعية وذلك من خلال المراسلات المتبادلة بين الشيخ عيسى بن صالح والحكومة البريطانية حول الضرائب والمنتجات المصدرة والمستورد، كما اتضح تأثير تدهور الأوضاع الاقتصادية في الساحل على توتر العلاقات السياسية بين السلطنة وقبائل الداخل هذا فضلا عن التأثير الاقتصادي على هجرات قبائل الشرقية إلى شرق أفريقيا.

ملاحظة: عرض موسع للكتاب في عدد أكتوبر 2017م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق