العام

 3 قصص لمواطنين مع «ذهب عُمان الأبيض»

 قيل إنه «الذهب الأبيض»؛ إذ توازي قيمته المادية والمعنوية عددًا من المجوهرات والمسبوكات، كيف لا وهو يُمثّل امتدادًا تاريخيًا، وحلقة وصل منذ ملايين السنين بين الشعوب والحضارات. وفي الوقت الحاضر عرف البعض قيمته؛ فاستثمره إلى مشاريع صناعية ومنتجات تُباع في الأسواق، ليكون بذلك مصدر دخل ذا عائد مجزٍ. إننا نتحدث عن «اللبان»، تلك المادة التي لا يخلو منها أي بيت عُماني، حيث ترافقنا روائحها الزكية منذ نعمومة أظفارنا، والتي لا تتسع الصفحات للكتابة عنها، لكننا سنعرض في السطور القادمة ثلاث قصص لمواطنين مع هذه الثروة الوطنية.

الوهيبي وزوجته وتحويل الشغف إلى مشروع

تجربة استثمارية ناجحة
قرر الدكتور سالم بن سعيد بن عبدالله الوهيبي وزوجته الدكتورة آمال بنت راشد الأبروية في عام 2013م التفرغ من عملهما لأجله؛ حيث أسسا شركة صغيرة بمسمّى (أولبان) وحصلا على تمويل من صندوق الرفد المختص بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لتصبح اليوم شركة معروفة في السوق بأنها عمانية 100% و99% من العاملين فيها عمانيون.
يقول الدكتور عن فكرة إنشاء الشركة:  بعد الاطلاع على نتائج الدراسات العلمية داخل السلطنة وخارجها والتي نشرت في دوريات علمية محكمة، وتحقيقًا للشغف الشخصي والعلمي والرؤية التي نؤمن لتعزيز الناتج الإجمالي من القطاعات غير النفطية وخاصة الاقتصاد المبني على المعرفة ارتأينا إنشاء شركة رائدة في مجال الابتكار الصحي وجودة الحياة كأول شركة في المنطقة قائمة على تحويل منتج طبيعي تاريخي وثقافي كاللبان إلى منتج عصري قائم على الابتكار والعلم والمعرفة والتجربة. فكان إنشاء هذا المعمل.
مشروع الوهيبي والأبروية بدأ بأكثر من عشرين منتجًا من اللبان، كالشامبو وجل الاستحمام ومعجون الأسنان وغيرها، ويخططون لرفعها إلى عدد أكبر. يتحدث الوهيبي عن التحديات قائلا: حقيقة لا نواجه أي تحديات لكن موضوع اللبان يحتاج إلى كثير من التنظيم والحماية من الاستغلال غير المشروع.
الوهيبي يؤكد أن اللبان كان وما يزال مصدرًا للثراء؛ لذلك فإن الاستثمار فيه مجدٍ، موضحًا أنهم يتعاملون مع عوائل عمانية من محافظة ظفار في الحصول على اللبان والذين لهم خبرة وباع طويل في مجال تجارته. يُذكر أن الوهيبي  هو استشاري أول صحة عامة وقد تخرّج من جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت آخر وظيفة له في وزارة الصحة هي مدير عام الشؤون الصحية، أما زوجته فهي كانت طبيبة أطفال.

المهري من «التبريز» إلى البيع في مطرح

القصة الثانية نقلتنا من ظفار إلى سوق مطرح، الذي يُعدّ أشهر الأسواق الشعبية والتراثية في السلطنة، بما يحويه من سلع متنوعة أبرزها ما يتعلق بالأزياء العُمانية كالداشداشة والمصر والكمة (تُلبس فوق الرأس) للرجال، والجلابية والعباءة والليسو (الحجاب الذي يُلبس فوق رأس النساء)، إلى غيرها من المنتجات التي تلقى رواجًا كبيرًا وإقبالًا شديدًا على مدار العام خصوصًا في وقت المناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى.
ولأن اللبان سلعة مهمة لدى العُمانيين فقد كان سوق مطرح أحد الأمكنة المشهورة ببيعه في شمال السلطنة بعد سوق الحافة في ولاية صلالة بمحافظة ظفار؛ إذ يوجد في سوق مطرح حوالي (16) ستة عشر محلًا يبيع اللبان بأنواعه المختلفة، ويدير هذه المحلات في الأغلب عُمانيون بينهم نساء. ذهبنا إلى المكان الذي خصصته البلدية لبيع اللبان ومنتوجاته وهو يقع في أول سوق مطرح وتحديدًا بجانب البرج الأمامي للسوق. بعد انتظار دام أكثر من 30 دقيقة تقريبًا استطعنا الحصول على موقف سيارة؛ نظرًا للازدحام الشديد. واجهنا صعوبة أخرى في تفرّغ أحد البائعين للحديث معنا؛ فالزبائن المرتادون لهذه المحلات كُثر، ويكاد المكان لا يخلو منهم ولو لدقيقة.
استطعنا الالتقاء بأحد الباعة بعد دقائق من وصولنا؛ وهو محمد بن سالم المهري؛ شاب عُماني بدأ في بيع اللبان منذ (10) عشر سنوات تقريبا، قال عن البدايات (لم أُنهِ تعليمي بشكل جيد، فاتجهت إلى بيع اللبان ليكون لي مصدر رزق، حيث بدأت بهذه المهنة في ظفار؛ إذ إن أصولي تعود إلى ولاية المزيونة، ثم اتجهت إلى الشرقية فكنت «أُبرِّز» بالبضاعة- يعني أنه يقوم بعرض السلع على الأرض دون محل- للمارة والناس، وبعدها انتقلت إلى سوق مطرح حيث جهزت لنا البلدية محلات بإيجار مدعوم ورخيص».
محل المهري كان مليئًا بالبضاعة المتعلقة باللبان ومنتوجاته، فهناك اللبان الحوجري، واللبان العادي، واللبان الحوجري الذكر. يشرح لنا محمد قائلا: «الحوجري الذكر هو أغلى الأنواع لأنه يُستخدم أيضًا للعلاج، فالجونية منه تصل إلى 600 ريال عُماني أحيانا، نوزعها على أكياس، ونبيع الكيس الواحد بـ 25 ريالًا عمانيًا.  أما النوع الثاني فهو الحوجري الذي يُستخدم في تبخير المنازل والملبوسات وكذلك يُمكن مضغه في الفم،  وتأتي الجونية منه بـ 160 ريالا عمانيا، نوزعها على أكياس ونبيع الواحد منها بـ 8 ريالات عمانية، أما النوع الأخير فهو العادي والجونية منه تأتي ما بين 110- 130 ريالا، ويتم بيع الكيس الواحد منه بريال عماني ويُستخدم لتبخير البيوت، بالإضافة إلى ذلك نقوم بعمل مخلّطات منه، سواء بإضافة مواد أخرى عليه كالبخور، أو طحنه ووضعه في علب صغيرة».
ونحن نتجول في المحل وجدنا بعض الأكياس يغلب عليها مسحوق لونه أبيض، سألنا المهري عنه فوضح أن هذه بودرة مُصاحِبة للبان في الجونية، وهي كثرت عندما بدأ الغش في اللبان، وكذلك بعدما ارتفعت قيمتها. يشرح لنا عن هذا الموضوع: عندما بدأت في بيع اللبان كانت الجونية الواحدة منه لا تتعدى 35 ريالا عمانيا، وكان حجمها 40 كيلوجراما من اللبان، أما الآن فأقل الأنواع جونيته بأكثر من 100 ريال، ولا تجد الأربعين كجم صافية بل تجد بها بودرة».
سألناه عن السبب فوضح أن هناك عدة أسباب وراء هذا الموضوع، أولها منع تصدير اللبان الصومالي وغيره من الأنواع إلى أسواق السلطنة، مما أدى إلى رفع سعر اللبان العماني كونه الوحيد في السوق، وكذلك وجود المصانع الكبيرة التي تشتري اللبان بكميات كبيرة لتحويله إلى منتجات وصناعة كالزيت، وكذلك قلة الاهتمام بشجرة اللبان الآن، وعدم معرفة قاطفي اللبان بالطريقة الصحيحة فيقومون أثناء جمعه بقص الجذوع والأوراق مما قلل من إنتاجيته».
المهري أكد أن الممارسة الطويلة في بيع اللبان وشرائه جعلته خبيرا في التفريق بين أنواع اللبان بنظرة عين، حيث لا يستطيع أحدٌ أن يغشه في ذلك، موضحًا أن الجونية الواحدة إن زادت عن 40 كجم أو نقصت فهذا دليل بأنه ليس لبانًا عمانيًا. ويعتقد المهري بأن العمل في بيع اللبان مجدٍ لكنه متعب ويحتاج إلى صبر؛ فرغم ارتفاع الأسعار وانخفاض المنتوج وقلة جودته إلا أن الإقبال عليه لا يزال مستمرًا خصوصًا بعدما حدث في 2010م. يوضح المهري « بعد انتشار انفلونزا الخنازير H1N1 في 2010 زاد الإقبال على شراء اللبان، فالناس رأوا بأنه مهم في تبخير المنازل وحمايتها من الانفلونزا، حتى إننا كنا نبيع نصف الكيلو من اللبان العادي بريال، أما الآن فنبيع الـ 200 جرام منه بريال عماني ولا يزال الإقبال على شرائه مستمرًا».
ونحن نتحدث للمهري قطعت علينا إحدى النساء التي دخلت للمحل لشراء اللبان، فشكرناه على وقته واستأذنا منه خشية أن نُضيِّع عليه رزقًا أقبل عليه، فاتجهنا إلى محل آخر، لكن زحمة الزبائن فيه لم تسمح لنا بالحصول على أي تصريح من الباعة فيه.

غواص والبدء منذ عمر الـ 16

البحث عن الذهب الأبيض
منذ أن كان عمره 16 عامًا يهب المواطن مسلم بن سعيد بن علي غواص ذو الـ  78 عامًا من محافظة ظفار صباحًا ليتوجه إلى البحث عن اللبان ليعود قبل المغرب بقليل وأحيانا يقوم بمهمته في الليل خلال الأيام القمرية.
يبدأ مشوار غواص بأخذ أدوات الجمع والزاد، ثم يتوجه إلى الموقع ليقوم بجرح لحاء شجرة اللبان في بداية الموسم بآلة حادة تُسمى المنقف كي تفرز مادة الصمغ (اللبان) التي تكون سائلة ولونها أبيض وتسمى هذه المرحلة بـ «التوقيع».
بعد 20 يومًا يتم حصاد اللبان من الأشجار بعد أن يجف ويتحول لونه إلى أصفر داكن أو بُني وتُسمّى هذه المرحلة بـ «الكشم». وهكذا تتوالى العمليتان الأولى والثانية إلى نهاية الموسم .
يقول غواص عن ذلك:  يتم تجميع اللبان وتجفيفه ليصبح يابسًا وبعد ذلك تتم تعبئته في شوالات ونقله على ظهور الجمال في القديم قبل السيارات إلى الأسواق وبيعه، وفي بعض الأحيان يأتي التجار إلى مواقع الجمع ويشترونه في الموقع ويتولون نقله إلى السوق». يؤكد أن العمل صعب وشاق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق