العام

فيروس كورونا  .. رحلةٌ إنتقالية



أسامة زايد


شاءت الأقدار أن نشهد هذه الأيام، مصيبة من مصائب الدهر، كالتي كان يحكيها لنا الأجداد، وكما كنا نقرأ عنها بنصها في الكتب والروايات، أن العالم في تلك اللحظة كان يعيش بقلق، لا يدري إلى أين ستحمله الأقدار، ولا يعلم من مستقبله إلا المفاجأة.

أصاب فيروس كورونا كوفيد -١٩ العالم، في وقت كان يتنبأ فيه المحللون الاقتصاديون بمعضلة اقتصادية ضخمة، أعظم من تلك التي حدثت في عام ٢٠٠٨م، وقد تنبأ من قبلهم المنجمون، أن ٢٠٢٠م هو نهاية للعام، فراح العالم ينتظر تلك اللحظة الحاسمة والفارقة من تاريخ البشرية، كعام ٢٠١٢م عندما قالوا أيضاً بأنه سيكون نهاية للعالم.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يحدث للعالم هذا الأمر، فحياة البشر مليئة بالأحداث والصراعات، مليئة بتفشي الأمراض، وكذلك الحروب، التي لم تهدأ أبداً إلا بين فترات ملحوظة. جاءت الكوليرا والملاريا والطاعون، وخلفت تلك الأمراض أعداداً هائلة من الموتى والمصابين، ولا تزال كذلك في دول العالم الثالث والدول الفقيرة. مروراً إلى الحرب العالمية الثانية التي قسمت الشعوب، ورسمت القوانين والخطوط بين الدول، وفرضت هيمنة البعض على الكل، وجعلت للعالم نظاماً تحت مسمى أن لا نعود لتلك الحرب، وقبلها كانت الحرب العالمية الأولى، وسبقتها حروب كثيرة راح ضحيتها جملة من البشر.

وقد جاء في المراجع الدينية والنصوص الإلهية أن الله قد أهلك عاداً وثمود، وأهلك قوم نوح ولوط، وكان هلاكهم مختلفاً، فقوم نوحٍ مثلاً، جعل الله فيهم الطوفان بعد أن أمر النبي بصنع الفلك لتحمله ومن معه نحو النجاة، وهو بذلك ينقلهم من حياة أولى مليئة بالكفر والفسوق، إلى حياة ثانية عامرة بالإمان والعبادة، وصناعة الفلك لم تكن إلا مرحلة انتقالية لما بعد الطوفان. غير أننا في عصرنا هذا، لا نعرف تلك الروايات على حقيقتها إلا ما ورد من نصوص وأماكن سبق أن اختلف عليها المؤرخون، حول ما إذا كانت تلك الأماكن تخص تلك الفئة المذكورة في النصوص أم لا.

إن للإنسان حقبة يعيشها، فبين حقبة وأخرى، نلحظ أن القدر يجعل له فترة انتقالية يخوضها، لتهيئته لتلك المرحلة اللاحقة، وما نعيشه الآن في ظل الكورونا على حد افتراضي، هو مرحلة انتقالية لما بعد الحداثة والتطور، مرحلة ستحمل في خصائصها تعايش الإنسان مع الآلة واعتماده عليها، اختصارات الزمان والمكان والكائن، التحول الأعمق لحدود فهم العقل البشري وتطوره، وهذا التعايش سيكون كمثيله من التعايشات السابقة، الإنسان والحجر، الإنسان والبحر، الإنسان والسماء.

وما إن تنتهي هذه الجائحة، حتى نلحظ اختلافاً في طريقة العيش، الكينونات الموجودة، طرق التعامل، الأساليب، توصيف النفس البشرية، كل ذلك سيكون له وضع مختلف، وقد يكون هذا الفيروس هو السبب الذي قد يدفع الإنسان للتغيير، فبين حرب تذهب، ومرض يجيء، نشاهد الإنسان يتربع على سيادة هذه الأرض.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق