عبر خمسين عاما من مسيرتنا الحديثة هناك أزمات كبرى مرّت، بعضها شعرنا به كمواطنين، وبينها من قاست مرارته الدولة، بما فيها من قطاعات حكومية أو خاصة أو غيرها مما يمكن أن تمسّه أيدي النكبات، سواء مرتبطة بأحوال اقتصادية (الكساد وتهاوي أسعار النفط) أو طبيعية (الأنواء المناخية كأبرز مثال).
كثيرون يشيرون إلى أننا لم نتعلم الدروس، أو أن تعلّمنا لم يكن بمستوى ما حدث، وتأتي الأزمة التالية لنفيق قليلا ثم ننسى.
عشنا أزمات اقتصادية عدة، تلاحقت ضرباتها علينا، بما أبقانا معلقين في أرقام أسعار النفط التي نتابعها كمريض بالقلب يتابع الأرقام في الشاشة بجوار سريره مخافة أن تسوء أكثر فتختل مكونات جسده لجلطات قد تتوالى عليه، هذا إذا بقي على قيد الحياة!.
عرفنا القلق مما تحدثه فوضى أسعار برميل الذهب الأسود، وهي تعيش صراعات سياسية، وفي كل مرة، حين نستفيق قليلا بتصاعد أسعاره، نتنفس الصعداء، وننسى ما قد حدث، وكأنه لم يحدث.
وليس الحديث عن النفط وأسعاره هنا، لكن عن مدى استفادتنا من أزمتين حقيقيتين وموجعتين، ليستا للاقتصاد فحسب، بل للأمن القومي، وفيه المعيشة أهم عنصر، واستدامة التنمية المعول الأساسي لبناء الدولة المعاصرة، كما تستحق عمان، التاريخ والحضارة.
ماذا استفدنا من الدرس الجديد الذي يعلمنا إياه النفط من جديد، وفي عام 2020؟!
وماذا استفدنا من درس وباء كورونا الزاحف كالجراد على الأخضر واليابس، ومهما بدت المقاومة فإن تراكمات الخسائر كبيرة، ولا تشفع لنا أسعار النفط للنهوض وتجاوز ذلك بسهولة؟!..
وفي كل مرة حينما نختنق بتهاوي أسعار النفط نرفع الصوت بالتنويع الاقتصادي.. وهذا تحقق منه الكثير، حتى نكون منصفين، لكن حينما نصاب الرجفة كل مرة لأن سعر النفط تراجع فإننا نحتاج إلى ما هو أكثر وأكثر بمراحل..
فجأة تذكرنا موانئنا، وأنه يجوز لنا الاستيراد المباشر، وعلى بعد خطوتين، دون المرور بأراض أخرى كيف نتمكن من الحصول على الخضروات والفواكه، على سبيل المثال!!
فجأة تذكرنا بحارنا، وأن قيمة سمكة متوسطة تعادل سعر برميل النفط، فكيف إذا حسبنا كلفة الإنتاج، وتذكرنا أن لدينا شركة أسماك تخسر ويمكنها أن تقدم منتجات مربحة..
فجأة تذكرنا أنه يمكننا الزراعة حتى في محيط منازلنا، فكيف بمزارع أهملت، وسلمت للعمالة الآسيوية، وفي عصر التقنية فإنه يمكن الزراعة حتى بدون تربة، وبأقل القليل من الماء.. لكننا اتكلنا على غيرنا، فعاث في أراضينا الفساد!.
فجأة تذكرنا أنه فعلا لدينا مئات الآلاف من العمالة الوافدة غير القانونية، وقد تسبب عدم قانونيتها مشاكل عدة، فالتكدس في تجمعات غير صحية يجعل تفشي الأوبئة أسرع.
فجأة اكتشفنا أنه يمكننا ترشيد نفقات بالاستغناء عن خدمات تكاسلنا عن القيام بها، وأبسطها ري حدائقنا المنزلية والحلاقة، بل والقيام بممارسة الرياضة والقراءة والجلوس مع الأسرة.
فجأة تذكرنا أنه يمكننا الاستفادة من التقنية بدلا من التكدس في مكاتب الحكومة على وجه التحديد، وأن شركات الاتصالات تعيق هذا التقدم بخدمات بطيئة، ومنع برامج محادثات الصوت والصورة.
فجأة تذكرنا ما يمكن أن تفعله قطاعات كالتعدين والخدمات اللوجستية والسياحية والصحية وغيرها مما يمكنه أن يحقق استدامة متزنة في دولة عدد سكانها الأصليين لا يتجاوز المليونين ونصف المليون!.
فجأة تذكّرنا ما لا يحصى من أشياء يمكنها دعم حركة حياتنا، تفعيلا لإيجابيات سيكون لها مردود اقتصادي كبير، وترشيدا لنفقات يمكن أن تساعد في عبورنا لهذه الهزات بسلام.
وفجأة، وهذا هو الأهم، تذكرنا شبابنا، قوة حضورهم في مفاصل المجتمع، عقولهم القادرة على الابتكارات، وعلى تقديم المبادرات لهم من جهات لم تكن تضعهم ضمن حساباتها، وهي غارقة في ملفاتها الإدارية.
وتذكرنا أنه يمكن أن تساعدنا التقنية في أداء أعمالنا، تسهل حياتنا بطريقة ما..
نعم، إنهما ضربتان موجعتان، وباء فيروسي وتهاوي أسعار نفط، وما يتبعهما من آلام أخرى سنشعر بها جميعا هذه المرة وليس الدولة فقط، فماذا أعددنا جميعا لنخرج من هذه الدروس أقوياء، وبما يمكننا من الوقوف بثقة أكبر أمام أية هزة قادمة..
ما زلت متفائلا، وأن في عمان ثروات يمكننا العمل جميعا على الاستفادة منها وتجنب إهدارها، فالوقت ليس في صالحنا، وعلينا الاعتراف: لقد تأخرنا كثيرا.. إنما بهمة من عرف صعوبة التجارب سنكسب معركتنا مع الوقت، وسنتفوق.