مقالات

الهندسة القانونية للمشاريع التجارية (2 ـ 2)

د. خليفة بن محمد بن عبدالله الحضرمي

نائب رئيس المحكمة العليا

ثانياً: الدور غير التقليدي للقانون في حياة المشروع الاقتصاديthe proactive law

تتبع المشاريع الاقتصادية سياسات مختلفة في إدارة نشاطاتها المختلفة فهناك سياسيات تقليدية متبعة منذ أمد يمكن القول عنها أنها سياسات التكيف مع الواقع أي مع القوانين الموجودة عن طريق الانتقاء منها بمعنى أنها تعمل على القوانين التي تحقق لها الفائدة مثل تلك الوثيقة الصلة بنشاطها كقوانين التجارة، قانون سوق المال، قانون ضريبة الدخل، قانون حقوق الملكية الصناعية، قانون حماية المنافسة والاحتكار، قانون الوكالات التجارية، قانون الشركات التجارية، قانون السجل التجاري فتلتزم بها أما غيرها فلا مجال للالتزام بها مثلاً: قانون حماية المستهلك، القانون الموحد لمكافحة الإغراق، قانون غسل غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب، قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، قانون المناقصات، قانون حقوق الملكية الصناعية، قانون حماية المال العام وتجنيب المصالح، قانون الجزاء (17).

لكن بالمقابل نجد أن ثمة سياسات يجب أن تتبعها الأنشطة الاقتصادية بخلاف ما سبق طرحه (الانتقاء القانوني) وهي استغلال القانون بطريقة ذكية بهدف الوصول إلى وضع تنافسي وهو الدور الجديد الذي يمكن أن يلعبه القانون نفسه كقوة إيجابية بخلاف الدور التقليدي وهو ما ينعت بالذكاء القانوني فماذا يعني ذلك؟

يعني أنه على الإدارة العليا للمشاريع الاقتصادية محو الأمية القانونية لديها أولاً من خلال معرفة واستيعاب القوانين التي تحكم كل أنشطة المشروع الاقتصادي وانتهاج الأسلوب الاستباقي من خلال استغلال القيود القانونية لمصلحة النشاط الاقتصادي،  كيف يتم ذلك؟

  • يجب أن تعنى الأنشطة الاقتصادية بعلاقاتها المختلفة مع كل من: البائع والمشتري، المدير والعامل، المصنع والعميل فذاك يعني القدرة على استمرار المنافسة.

  • يجب التحلي بالثقافة القانونية داخل النشاط الاقتصادي.

  • احترام المنافسة الشريفة من خلال الحرص على حماية الملكية الفكرية وتحفيز الابتكار.

  • محاولة الاستفادة من الحوافز الضريبية قدر الإمكان لفائدة النشاط الاقتصادي.

  • الالتزام بالتأمين الصحي للعمالة وتقديم مزايا لها تعينها على بذل المزيد من الجهد بل وتحسين ذلك الجهد.

  • تقديم الخدمة سيما الخاصة بالإنتاج بأسعار مرضية للجمهور.

  • استبدال البضاعة المعيبة أو مساعدة المستهلك على استرجاع أمواله تبعاً لذلك، وفي ذلك تطبيق سليم لقانون حماية المستهلك عندما يسعى النشاط الاقتصادي أي تجنيب المستهلك الاضرار التي تصيبه بسبب شراءه المنتج.

  • لا للتهرب عن تطبيق القوانين بل احترامها وحسن تطبيقها.

  • محاولة حل المشاكل باستخدام الطرق البديلة للتقاضي: الصلح، التحكيم، الوساطة (18) ، المفاوضات.

ما نحاول قوله أنه يجب أن يكون هناك شراكة حقيقية بين الإدارة العليا والقانون أو بالأحرى إدارة المخاطر القانونية لأن في ذلك أيضاً تطوير لسياسات منع الوقوع في المشاكل القانونية مستقبلاً من خلال ما يمكن تبنيه بالنهج الاستباقي للقانون(19) the proactive law. 

ويعني ذلك تجنب النزاعات القانونية وتحويلها إلى مصدر للتنافس لتخدم أنشطة المشروع الاقتصادي.

ما يلاحظ بالواقع أن الكثير من الأنشطة الاقتصادية تعتمد نماذج محددة الصيغة من العقود درج على استعمالها منذ أمد دون أن تدخل عليها أية تعديلات وبالتالي نشاهد بالمحاكم تكرار المشاكل الناتجة عنها وفي ذلك خلق لبيئة المماطلة القضائية وهي تكلفة اقتصادية ليست يسيرة للنشاط الاقتصادي.

وبرأيي لو اجتمعت الثقافة القانونية لدى الإدارة العليا مع المعرفة الاقتصادية لانعكس ذلك على حسن صياغة هذه العقود (20) وفي ذلك تصميم اطار قانوني محدد تجمع فيه البيئة القانونية والبيئة التنافسية والبيئة الصناعية بآنٍ واحد.

  • أزمة كرونا والنشاط الاقتصادي

إن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يعيشون في أغلب الدول المتقدمة تستخدم شبكة الانترنت بشكل يومي إثر تطور هذه الأخيرة لتضحى وسيلة هامة لنمط حياة لجزء كبير من الناس حتى قيل بأنه على جميع الدول أن تقوم بوضع سياسات فعّالة لتحقيق النفاذ الشامل والسريع إلى شبكة الانترنت وإلا أصبحنا أمام فجوة رقمية توحي بعدم المساواة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.

أتاحت شبكة الانترنت فرصاً وأشكالاً جديدة للتعليم عن بعد حيث تقوم شبكة الانترنت كوسيط يمكن من خلاله نقل المحتوى التعليمي وتوزيعه بل أصبح الاتصال بشبكة الانترنت أداة لممارسة الحقوق الأساسية: كحرية التعبير والرأي والمشاركة في الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية(21).

إذن تكيف المؤسسة الاقتصادية مع الوضع الراهن يكون بالانتقال إلى العمل عن بعد قدر المستطاع أي قدر ما يسمح به العمل المكتبي والتواصل مع الآخرين وإنجاز أعمالهم وبطبيعة الحال هناك أعمال لا يمكن القيام بها عن بعد كأعمال المقاولة والإشراف عليها وبعض الأعمال المماثلة.. لقد حان الوقت لتخطي نمط الحياة التقليدي إلى العمل عن بعد.. ولعل الجائحة (كرونا كوفيد 19) قد عجّلت بخطوات ذلك التخطي من النمط التقليدي فمجلس الإدارة مثلاً يستطيع عقد اجتماعاته عن بعد بل ويتحذ قراراته.

كما تستطيع الإدارة التواصل مع البنوك والمقاولين الآخرين من الباطن بل والتعاقد معهم إلكترونياً.

وتستطيع الإدارة أيضاً تأمين مستلزمات المقاولة من مواد ونحوها عن طريق التعاقد عن بعد.

خلاصة الأمر: أننا لا نستطيع القول أنه لا بد من الاستغناء عن العمالة لأننا نحتاج معظمها في إنجاز أعمالنا الضرورية كالعلاقات العامة على سبيل المثال لا الحصر..

 


 (17)وذلك ما يوقعها في الأخطاء لأن عليها الاهتمام بكل القوانين لا الانتقاء منها.

(18) لا يمكن للشركة أن تعمل على اعتماد دليل موائمة كل المنازعات التي تطرأ بين الفينة والأخرى.

(19) لمعرفة المزيد عن ذلك النهج الاستباقي للقانون يراجع:www.scandinavian law/pdf/49-2/pdf

(20) هناك عدة قضايا ترفع بالمحاكم جراء عدم فهم ذلك، سيما فيما يتعلق بالملكية الفكرية

(21) للمزيد يراجع: د. محمود السيد عبدالمعطي، خيال الانترنت وبعض الجوانب القانونية، دار النهضة العربية، القاهرة، بدون ناشر.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق