السياحي

رحلة ثقافية ترفيهية في فضاء “متحف بيت الغشام” وقرية “وكان”

وصف الرحلة / فوزي بن يونس بن حديد

حبا الله عُمان بمواقع سياحية مهمّة تنوعت بين الثقافية والطبيعية وبين المغامرة والاستكشاف، إذ تملك السلطنة مقوّمات تثري السائح، تجمع بين السهل والجبل والبحر والصحراء، وفي كل مقوّم من هذه المقوّمات كنوز يكتشفها السائح يومًا بعد يوم، كما حظيت السلطنة بمناخ سياسي وأمني آمن جعلها مقصدا مفضّلا لكثير من السياح من الخارج، وفضّل الكثير من الداخل سواء كانوا مواطنين أو وافدين الإبحار في السياحة العُمانية البكر وكشف جمالها للآخرين حتى يستمتعوا بالأجواء الرائعة خلال فترة طويلة هي في أغلب البلدان تتميز ببرودة الطقس الشديدة، ففي الأشهر من أكتوبر إلى مارس تتميز السلطنة بمناخ معتدل نسبيا يشجع على التجول في كافة المناطق ليلا ونهارا في جو منعش وتتألق عُمان بذلك وتتميز على جميع البلدان بأنها تعيش هدوءً جميلا وأناقة لا مثيل لها في المواقع السياحية التي تحتاج فقط إلى عناية ورعاية أكثر وتوفير الأساسيات التي يحتاجها السائح.

فكّرنا مليّا هذه المرة في التجوّل داخل ربوع عُمان، وحاولنا استغلال اليوم السياحي وذلك بالجمع بين الثقافة والترويح والترفيه، كنّا عائلات رجالا ونساء وأطفالا، قمنا برحلة ثقافية وسياحية ترفيهية في الوقت نفسه، اخترنا الطريق الذي نجمع فيه بين الأمْرين، فانصبّ تفكيرنا على ولايتي وادي المعاول ونخل وكلاهما من محافظة جنوب الباطنة، ففي وادي المعاول يتربّع متحف بيت الغشام، بما أوجده من رؤية جذبت نظر الزوار لمكوناته، وفي ولاية نخل كثيرا ما سمعنا عن قرية جبلية اسمها “وكان” والتي يشد السياح إليها الرحال، وكانت وجهة الكثير من محبي المتعة البصرية.

في عبق التاريخ

اخترنا الوقت المناسب وخطّطنا للرحلة التي امتدت يوما كاملا، بدأناها من مسقط العامرة، وكانت وجهتنا الأولى متحف بيت الغشام، الواقع في بلدة أفي تحيط به أشجار النخيل من كل جانب، المتحف الأنيق المتألّق بين منعرجات تستكشف فيها رائحة عُمان وعبقها القديم، لا يخلو مكان من جامع أو مسجد أو مزارع محاطة بجملة من المساكن، تفوح منها رائحة الهواء النقي كلما اقتربت شيئا فشيئا إلى المكان الذي نريد، وعند اقترابنا شهدنا المتحف من بعيد كأنه قلعة محصّنة مسوّرة بباب كبير يحمل هيبة المكان والتاريخ ومن كان يسكن فيه، وازداد ألقًا عند وجود مواقف مريحة للسيارات وبجوار المتحف مسجد تقام فيه الصلوات، وقفنا عند بابه التاريخي ودخلنا، إذ بأحد الإخوة يستقبلنا الاستقبال الكبير بحفاوة وكرم وحسن ضيافة، رأينا السيارة القديمة القابعة في بهو المتحف أولا، إنها مثال للسيارات المستخدمة ذات يوم، ثم بدأنا التجول في المتحف من البداية حيث السقيفة التي جلسنا فيها وكان محدّثنا متحدّثا لبقا متواضعا محترما له مواصفات المرشد السياحي بامتياز، من الشباب العماني الذي يُتقن استقبال الضيوف، وبدأ في الحديث عن تاريخ المتحف وكيف كان بيتا للسيد محمد بن احمد بن ناصر الغشام البوسعيدي وسكنه بعض أصحاب السمو ثم اشتراه السيد علي البوسعيدي وحوّله إلى متحف يشعّ نوره في الولاية بل وامتدّ صيته إلى كامل عُمان، ليكون مزارا تاريخيا من الطراز الرفيع.

استمتعتْ العائلاتُ بما شاهدته من مقتنيات بجميع أشكالها وألوانها ومختلف استعمالاتها من أسلحة خفيفة وثقيلة وأوان نحاسية وفخارية، وآبار ارتوازية، وسعف النخيل وما صنعه الأجداد العمانيون بأناملهم، والأواني التي كانوا يستخدمونها في الطبخ وكيفية تخزين التمر، وجميع المقتنيات الفضّية من خناجر وملبوسات نسائية ورجالية وأدوات قديمة كالهاتف المستخدم في ذلك الوقت وأصبح اليوم تحفة تراثية والراديو الخشبي الذي كان المعجزة الإلكترونية في ذلك الزمان، وقد فرح الأطفال جدا بركوب الخيل المصمّم في المتحف وهم يلوّحون بعلامات الفرح.

وتوالى استكشاف المكان عن قرب عبر غرف مكيّفة ومركّزة ومنظّمة ونظيفة وأنيقة يرتاح فيها الزائر ويتابع ما فيها باهتمام فلا يشعر بضيق تنفّس من شدة الحرارة في الداخل ولا يملّ من اكتشاف الكنوز الجميلة، وفي بهو المتحف توجد استراحة قصيرة فيها يستريح الزائر ويشرب ما طاب له ويتجول في المكتبة التي تزخر بكثير من الكتب ومن مطبوعات بيت الغشام للصحافة والنشر، وفيها من الفخاريات والهدايا لتي يمكن أن يقتنيها السائح في جولته.

ولعل ما منح المكانة جمالًا وبهاءً وأريحية تامة، المطعم المرافق للمتحف والمرافق الأساسية من دورات مياه وأماكن جلوس وغيرها، لأن السائح أو الزائر بعد أن يتجوّل في ربوع المتحف كاملة يتهيأ للصلاة والغداء والهدوء، وقد وفّر المتحف مكانا متميزا للغداء والراحة والاستمتاع بالوجبات حسب الطلب والعدد، مع القهوة الحلوى العمانية المميّزة وكل ما يحتاجه الزوار، كما أن الخدمات المميزة الأخرى كانت سببا في جعل زائر المكان يمكث ساعات للتأمّل والبحث والاستكشاف والسؤال، وقد كان الجميع مستأنسين لحديث المرشد وسائلينه عن تاريخ المتحف وكيف كان بيتا ثم تحوّل إلى متحف، وعن المقتنيات التي يحويها، وعن تاريخها وأنواعها وألوانها، وأصحابها، وعن صور الأمجاد العمانيين.

متحف بيت الغشام أيقونة جميلة في ولاية وادي المعاول، حفاوةٌ في الاستقبال، وتميّزٌ في الخدمات، وتفنّنٌ في المعروضات، وروعةٌ في الشرح والإرشاد، ومتعةٌ للكبار والصغار، جدير بالزيارة في جميع الأوقات.

قراءة الطبيعة في “وكان”

وبعد الثانية ظهرا توجّهنا إلى ولاية نخل، وتحديدا إلى قرية وكان، التي تبعد أكثر من 50 كيلومترا عن الولاية، قرية تقع في أعلى الجبل، تحتاج إلى سيارات ذات دفع رباعي، وصلنا إلى أقرب نقطة يمكن أن نترك فيها مركباتنا، ووجدنا من ينقلنا من الشباب العماني إلى أعلى بهمّة وعزم ونشاط وترحاب كبير.

كانت رحلة جميلة، ونحن نعبر المنحنيات الترابية الضيّقة أحيانا، رأينا الناس في نشاط متجدّد وهم يحاولون الطلوع أو النزول مستمتعين، وعلى وجوههم ابتسامة الاستكشاف والاستطلاع، وعند وصولنا القرية قابَلنا برجها وبعض المنازل، ثم انطلقنا نحث الخطى نحو المدرجات الجميلة التي بلغ عددها أكثر من 600 درجة طُلوعا، وبين ضفتي الدرجات خضرة باسقة وجميلة، وهواء عليل، ونسيم يداعب قسمات الوجوه، يمنحها قوة ونشاطا، وفي أعلى القمة ترى القرية الوادعة والقرى المجاورة لوحة فسيفسائية جميلة تحيط بها أشجار النخيل الباسقة مع المدرجات الزراعية ذات الألوان الزاهية والغلال والخضروات والفواكه الباهية بأنواعها.

تفسّر قرية “وكان” همّة العماني وعزيمته في خوض الصّعاب والتغلب على الطبيعة القاسية أحيانا، سواء من حيث الطّرقات أو من حيث الاهتمام بالزراعة والعُمران، أو من حيث البقاء في هذه البقعة الجميلة من عُمان، إنها قرية بسيطة في وجودها، عميقة في معانيها، كريمة في استقبال محبّيها، تبحث عن الأنس فتجده هُناك، وعن الجمال فتستمتع به هُناك، وعن العزيمة والإصرار فتمنحك إياه من خلال الاستكشاف والاستطلاع، كل ذلك وأنت تسير بين جانبي الطريق الذي عملت الحكومة على تسييجه بأعمدة ثقيلة حماية للزائرين والسائحين.. ومنظرا سياحيا جذابا وأنيقا، بجانبه تسمع رقرقة الماء وهو ينساب في الجداول مغذيا النباتات والزروع والثمار في مشهد يخيل إليك كأنك في جِنان.

اكتشفنا في القرية همّة العماني، وطيبة العماني وكرم العماني، اكتشفنا الطبيعة العمانية البكر والمغارات الصغيرة على جانبي الطريق، فأصبحت زيارتنا لها كأنها حَدّوثة هذا الزمان، كان يا مكان، هل سمعتم بقرية في عُمان اسمها “وكان”، إنها قرية وادعة بين الجبال الراسيات، وارفةٌ ظلالُها، باسقةٌ نخيلُها، طيبةٌ ثمارُها، كرماءٌ أهلُها، كأنك في صلالة أيام الخريف، ترى الخضرةَ في كل مكان يحويها، والجمالَ في كل زاوية يزيّنها، والشمس تسطع في نهارها منهية مقولة أنها لا ترى الشمس إلا ثلاث ساعات، أو مقولة أن أهلها لا يصومون إلا ثلاث ساعات في اليوم، إنها الإشاعة التي لا صحّة لها، ذكر لنا أهلها وأصحابها أن الشمس تسطع بها طول النهار وأن نهارها مثل نهار أي بلدة في عُمان.

يا لها من قرية رائعة، إنها جنة من جنّات عُمان لكن ما ينقصها العلامات التي تدلّ على القرية من بعد مركز ولاية نخل، والطريق المعبّد الموصل للقرية حيث الطريق الترابي الوعر والخطير سبب من أسباب الزحام، ثم الازدحام الشديد أثناء الإجازات، وأقصد سيارات السائحين التي تصعد للقرية والحل إبقاؤها في الأسفل وتوفير سيارات من أصحاب القرية للطلوع والنزول، يوفر عملا للشباب العماني، وأيضا إقامة استراحات ومطاعم ومقاه.. وهي ملاحظات قد تفيد الجهات المعنية لاستثمار هذه البقعة السياحية الجميلة في السلطنة، يمكن أن يكون لها مستقبل سياحي واعد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق