مقالات

قرارات المسؤولية الجمعية

كتب: حسن المطروشي

تداول الجميع اليوم قراري اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، الذين اتخذتهما اللجنة في اجتماعها صباح اليوم، برفع الإغلاق الصحي عن محافظة مسقط اعتبارًا من يوم الجمعة 29 مايو 2020 م، وإنهاء العمل بقرار إعفاء الموظفين من الحضور إلى مقرات العمل في الجهات الحكومية. وقد جاء في بيان اللجنة أن قرار رفع الإغلاق الصحي عن محافظة مسقط جاء “في إطار اهتمام اللجنة بتسهيل الحركة بين محافظة مسقط والمحافظات الأخرى، واستمرار الأنشطة الاقتصادية وفق الضوابط الوقائية المحددة. أما القرار الثاني فقد جاء بهدف “أداء الوحدة الحكوميّة لأعمالها وخدماتها”. وهذا ما ينبغي التركيز عليه، آخذين في الاعتبار القرارات السابقة للجنة بإعادة افتتاح بعض المناشط التجارية تباعا، ما يشير بوضوح إلى رؤية استراتيجية نحو عودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا، على أن تكون المسؤولية جماعية مشتركة تقع على عاتق الحكومة إلى جانب مؤسسات القطاع الخاص والفرد والمجتمع بشكل عام.
إننا حين نتذكر أن قرارات الحجر المنزلي وإعفاء الموظفين من الحضور إلى مقرات العمل وغيرها، التي اتخذت في أواخر شهر مارس الماضي وما تلا ذلك من قرارات، جاءت في وقت لم تتجاوز فيه الإصابات العشرات يوميا، في حين جاءت سلسلة قرارات تخفيف القيود في ظل ارتفاع الأعداد إلى المئات يوميا. أليس هذا من المفارقات التي يتوجب على المرء التوقف عندها، لنتساءل عن الضغوطات الهائلة التي تواجهها المؤسسات المعنية في تعاملها مع تطورات هذه الجائحة وتحولاتها ومستقبلها؟
لقد بذلت الحكومات جهودا كبيرة سواء في الجانب الطبي، من أجل القيام بالفحوصات وتقديم الرعاية الصحية للمصابين وتنفيذ الحملات التوعوية بالشراكة مع قطاعات الإعلام المختلفة، وإعادة بعض المواطنين في الخارج إلى أوطانهم. وتكبدت الدول الكثير من الخسائر الاقتصادية والتجارية جراء توقف الأنشطة الناجم عن هذه الجائحة. وقد بات من المستحيل بمقدور الدول أن تتحمل المزيد من توقف نشاطها التجاري وتعاملاتها الاقتصادية التي هي عصب الحياة وشريانها الرئيس.
وبعبارة أخرى أن الدول قد تحملت وبذلت ما تستطيع وقدمت ما يمكنها القيام به من تضحيات ومسؤوليات، وقد بات الفرد والمجتمع شركاء أساسيين في اقتسام المسؤولية وتحمل جزء منها، لاسيما أن جهود التوعية والتثقيف قد أعطت صورة واضحة عن أساليب الوقاية والإجراءات الاحترازية التي يتوجب على المرء الالتزام بها من أجل وقاية نفسه والمحافظة على صحته. وهذا ما أكده بيان اللجنة العليا الذي نص صراحة أنه: “في ضوء ارتفاع أعداد المصابين بهذا الفيروس بين المواطنين والمقيمين في السلطنة فإن اللجنة العليا تُشدد على دور الفرد، والمجتمع عمومًا، في الوقاية من هذا المرض، وذلك بالالتزام بما تم إعلانه من احترازات وقائية، كما تُشدد اللجنة كذلك على ضرورة التزام جميع الجهات العامة والخاصة بوضع السياسات والضوابط والإجراءات التي تقي موظفيها والمستفيدين منها من انتشار الفيروس”.
إن هذا الخيار يبدو ضروريا يفرضه الواقع، رغم ما قد ينتج عنه من تبعات تفشي المرض، فليس من المتوقع تجميد الحياة وتعطيل المصالح وإيقاف الأنشطة التجارية والاقتصادية، لان ذلك له عواقب وخيمة تؤدي إلى كوارث إنسانية ووطنية من انهيار الأوطان والإضرار بمصالحها الاقتصادية، وفقدان الوظائف، ما ينتج عنه تشريد الأسر وحرمان الأفراد من العيش، إلى جانب ارتفاع أعداد العاطلين من العمل، الأمر الذي ينتج عنه تفشي الجريمة وغير ذلك من العواقب الاجتماعية السيئة. فها هما إيطاليا وإسبانيا تخططان لإعادة فتح أبواب السياحة من جديد، رغم أنهما من أكثر الدول تضررا من هذه الجائحة، ذاك لأن السياحة تمثل أحد أهم مصادر الدخل القومي لهذين البلدين، نظرا لما يتمتعان به مقومات تاريخية وحضارية تجذب الملايين من السياح الذين يزورونهما كل عام، ما يعني أن تعطيل السياحة في هذين البلدين الأوروبيين هو ضرب للاقتصاد في مقتل.
ما نستطيع فهمه وقراءته من التوجهات الجديدة لدى الدول هو أن يشترك الفرد والمجتمع والمؤسسات المختلفة في تحمل المسؤولية، من أجل الوقاية من تفشي الفيروس، عبر الالتزام بالإجراءات الوقائية والتعليمات الاحترازية، حتى يأذن الله بزوال هذه الجائحة، التي تبدو غامضة وعصية على الفهم والتعامل حتى الآن. وهذا يشير إلى أننا سنشهد على المدى القريب عودة الحياة إلى قطاعات أخرى شيئا فشيئا، وعلينا أن نكون على قدر التحدي وفي مستوى المسؤولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق