العام

قراءة في المرسوم السلطاني رقم (45/2020)

بشأن الانضمام إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (1 ـ 2)

محمد عبده الزغير

خبير شؤون الطفولة بوزارة التنمية الاجتماعية

مقدمة:

  أصدر جلالة السلطان هيثم بن طارق في 7 أبريل 2020 م، مرسوما سلطانيا رقم (2020/45) بالموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وقبل الشروع بعرض مضمون المرسوم، وموقف السلطنة من الاتفاقية بعد صدور المرسوم، يسعدني بداية استعراض اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

  • اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة

Convention against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment

  في عام 1948، أدان المجتمع الدولي التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحديدا المادة (5) منه، ولاحقاً المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1966م، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية …وغيرها. وفي عام 1975، اعتمدت الجمعية العامة، الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

 واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام اليها بالقرار 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984، وبدء تاريخ النفاذ بها في 26 حزيران/ يونيو 1987م، وفقا للمادة 27 (1)، أي في اليوم الثلاثين بعد تاريخ ايداع صك التصديق أو الانضمام العشرين لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

 وفي عام 1985م، عينت لجنة حقوق الإنسان أول مقرر خاص معني بالتعذيب، وهو خبير مستقل مكلف بالإبلاغ عن حالة التعذيب في العالم. وخلال الفترة نفسها، اتخذت الجمعية العامة قرارات سلطت الضوء فيها على دور وموظفي الصحة في حماية السجناء والمحتجزين من التعذيب، ووضع مبادئ عامة لمعاملة الأشخاص المحتجزين. وفي كانون الأول / ديسمبر 1997، أعلنت الجمعية العامة يوم 26 حزيران / يونيو يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب.

 بدأت لجنة مناهضة التعذيب CAT) )  Committee against Tortureالعمل في عام 1987م، حيث تتولى رصد منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة من جانب الدول الأطراف، وهي هيئة مؤلفة من 10 خبراء مستقلين .

 ووفقا للاتفاقية (المادة 19) فان جميع الدول الأطراف ملزمة بتقديم تقارير منتظمة إلى اللجنة عن كيفية إعمال الحقوق. ويجب على الدول أن تقدم تقريراً أولياً بعد سنة من انضمامها إلى الاتفاقية ثم تقارير دورية كل أربع سنوات. وتفحص اللجنة كل تقرير وتوافي الدولة الطرف ببواعث قلقها وتوصياتها في شكل “ملاحظات ختامية”. واعتمدت لجنة مناهضة التعذيب إجراء اختياريًا جديدًا لتقديم التقارير (وهو ما يطلق عليه قائمة القضايا قبل تقديم التقارير) ويتمثل في اعتماد قائمة بالمواضيع لمساعدة الدول الأطراف على إعداد تقاريرها الدورية. ويشكل رد الدولة الطرف على قائمة القضايا المذكورة تقريرها الدوري بموجب المادة ١٩ من اتفاقية مناهضة التعذيب. ولا ينطبق هذا الإجراء على التقارير الأولية.

وبالإضافة إلى إجراء تقديم التقارير، تنشئ اللجنة ثلاث آليات أخرى تؤدي اللجنة من خلالها مهامها المتعلقة بالرصد: يجوز أيضاً، في ظروف معينة، أن تنظر اللجنة في الشكاوى الفردية أو بلاغات الأفراد التي يدعون فيها أن حقوقهم بموجب الاتفاقية انتُهكت، وتجري التحقيقات اللازمة، وتنظر في الشكاوى بين الدول.

والبروتوكول الاختياري للاتفاقية، الذي دخل حيز النفاذ في حزيران/يونيو 2006، ينشئ اللجنة الفرعية لمنع التعذيب . Subcommittee on Prevention of Torture (SPT) وللجنة الفرعية لمنع التعذيب ولاية تتمثل في زيارة الأماكن التي يجري فيها حرمان أشخاص من حريتهم في الدول الأطراف. وبموجب البروتوكول الاختياري، يتعين على الدول الأطراف إنشاء آلية وقائية وطنية لمنع التعذيب على المستوى المحلي لها أيضاً ولاية تتمثل في تفتيش أماكن الاحتجاز(1).

 وتتكون الاتفاقية من ديباجة موجزة و(3) أجزاء و (33) مادة موزعة على الأجزاء الثلاثة، فقد جاء في ديباجة الاتفاقية اعتراف الدول الأطراف بالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أعضاء الأسرة البشرية، وادراكها أن هـذه الحقوق مستمدة من الكرامة المتأصلة للإنسان. 

 وفي الجزء الأول من الاتفاقيـة المـواد مـن (1-16 ( عرفت المادة (1) منه التعذيب بأنه “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”. 

 وألزمت المادة (2/1) كل دولة طرف باتخاذ اجراءات تشريعية أو ادارية أو قضائية فعالة أو أية اجراءات أخرى لمنع أعمال التعذيب في أي اقليم يخضع لاختصاصها القضائي. ولم تجز المادة (2/2) التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الاخرى كمبرر للتعذيب. كما لم تجز المادة (2/3) التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب.

 ولم تجز المادة (3/1) لدولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده (“ان ترده”) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.

 وأوجبت المادة (4/1) بان تضمن كل دولة طرف ان تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب. وألزمت المادة (4/2) بان تجعل كل دولة طرف هذه الجرائم مستوجبة للعقاب بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة.

وألزمت المادة (5/1) كل دولة طرف بان تتخذ ما يلزم من الإجراءات لإقامة ولايتها القضائية على الجرائم المشار إليها في المادة 4 في الحالات التالية:

(أ) عند ارتكاب هذه الجرائم في أي اقليم يخضع لولايتها القضائية أو على ظهر سفينة أو على متن طائرة مسجلة في تلك الدول.

(ب) عندما يكون مرتكب الجريمة من مواطني تلك الدولة.

(ج) عندما يكون المجني عليه من مواطني تلك الدولة، إذا اعتبرت تلك الدولة ذلك مناسبا.

وأوجبت المادة (5/2) كل دولة طرف باتخاذ بالمثل ما يلزم من الاجراءات لإقامة ولايتها القضائية على هذه الجرائم في الحالات التي يكون فيها مرتكب الجريمة المزعوم موجودا في أي اقليم يخضع لولاياتها القضائية ولا تقوم بتسليمة عملا بالمادة 8 إلى اية دولة من الدول التي ورد ذكرها في الفقرة أ من هذه المادة. والمادة (5/3) لا تستثنى أي ولاية قضائية جنائية تمارس وفقا للقانون الداخلي.

 “وبالنظر إلى أن من الضروري المعاقبة على التعذيب حتى في حالة فرار مرتكبيه إلى الخارج، تحدد المواد ٤ إلى ٩ نظامًا يصبح بموجبه للدولة التي ارتُكب فيها التعذيب، أو التي تورط فيه مواطنوها بصفتهم مرتكبين للتعذيب أو تعرضوا له كضحايا، ولاية عل ى هذه الجريمة. فيمكن لهذه الدولة أن تطلب تسليم الشخص المدعى ارتكابه له من أي بلد آخر، ويجب على ذلك البلد نفسه، إذا رفض طلب التسليم، أن يقدم الجاني المدّعى ارتكابه له إلى القضاء. والهدف من ذلك هو ضمان عدم وجود مكان يختفي فيه مرتكبو الأفعال التي تحظرها المعاهدة. 

 وتتناول المادتان ١٠ و١١ توفير التوعية لموظفي إنفاذ القانون وإجراء استعراض منهجي للأساليب التي يتخذوﻧﻬا لمنع التعذيب. وبدلاً من النص على الحق العام “في سبيل انتصاف فعال ” في حالة حدوث انتهاكات، كما جاء في المعاهدات الأخرى، تنص اتفاقية مناهضة التعذيب في المواد ١٢ إلى ١٤ منها على الحق في إجراء تحقيق سريع ونزيه في ادعاءات التعذيب، مع ضمان حق الضحية في تعويض عادل ومناسب، بما في ذلك إعادة تأهيله على أكمل وجه. ووفقًا للمادة ١٥، لا يمكن أن تُستخدم في المحكمة أدلة تم الحصول عليها عن طريق التعذيب. وأخيرًا، تقتضي المادة ١٦ من الدول الأطراف أن تمنع ارتكاب أفعال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب(2).”

أما الجزء الثاني من الاتفاقية المواد من (17-27) فينص على إنشاء آلية رقابـة تمثلـت فـي لجنـة مناهضة التعذيب، وطريقة انتخابها واختصاصاتها وهذا ما سبق الإشارة اليه في مقدمة العرض عن الاتفاقية. وبموجب المادتين ٢١ و٢٢ من الاتفاقية، يجوز للدول أيضًا أن تختار قبول اختصاص اللجنة بالنظر في الشكاوى المقدمة من دول أطراف أخرى أو من أفراد.

أما الجزء الثالث من الاتفاقية المواد من (28-33) فيتضمن أحكاما خاصة بالتوقيع والانضمام ونفـاذ الاتفاقيـة ودور الأمين العام للأمم المتحدة في هذا الشأن.

  • مضمون المرسوم السلطاني رقم (2020/45) بالموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ومقارنة التحفظات مع تحفظات بعض الدول العربية

 أصدر جلالة السلطان هيثم بن طارق في 7 أبريل 2020 م، مرسوما سلطانيا رقم (2020/45) بالموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقضت مواده الثلاث بالتالي:

المادة الأولى: الموافقة على انضمام سلطنة عمان إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وفقًا للصيغة المرفقة مع مراعاة التحفظ الآتي: 

 أولا: تعلن سلطنة عمان أنها لا تعترف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب المنصوص عليه في المادة 20 من الاتفاقية المشار إليها

ثانيًا: تعلن سلطنة عمان أنها غير ملزمة بأحكام الفقرة 1 من المادة 30 من الاتفاقية المشار إليها.

المادة الثانية: على جهات الاختصاص إيداع وثيقة الانضمام إلى الاتفاقية المشار إليها وفقًا لأحكامها مع مراعاة التحفظ المشار إليه،

المادة الثالثة: ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره،

 وهذا يبين ان تحفظات السلطنة، جاءت على نص المواد والفقرات التالية: 

المادة (20)، وهي خاصة باختصاصات لجنـة مناهضة التعذيب بالنظر في الشكاوى:

  1. إذا نقلت اللجنة معلومات موثوقا بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوى تشير إلى أن تعذيبها يمارس على نحو منظم في أراضي دولة طرف. تدعو اللجنة الدولة الطرف المعنية إلى التعاون في دراسة هذه المعلومات، وتحقيقا لهذه الغاية إلى تقديم ملاحظات بصدد تلك المعلومات.

  2. وللجنة بعد ان تأخذ في اعتبارها أية ملاحظات تكون قد قدمتها الدولة الطرف المعنية وأية معلومات ذات صلة متاحة لها، أن تعين، إذا قررت أن هنالك ما يبرر ذلك، عضوا أو أكثر من أعضائها لإجراء تحقيق سرى وتقديم تقرير بهذا الشأن إلى اللجنة بصورة مستعجلة.

  3.  وفي حالة اجراء تحقيق بمقتضى الفقرة 2 من هذه المادة، تلتمس اللجنة تعاون الدول الطرف المعنية. وقد يشمل التحقيق، بالاتفاق مع الدولة الطرف، القيام بزيارة أراضي الدولة المعنية.

  4.  وعلى اللجنة، بعد فحص النتائج التي يتوصل اليها عضوها أو أعضاؤها وفقا للفقرة 2 من هذه المادة ان تحيل إلى الدولة الطرف المعنية هذه النتائج مع أى تعليقات واقتراحات قد تبدو ملائمة بسبب الوضع القائم.

  5.  تكون جميع اجراءات اللجنة المشار اليها في الفقرات 1إلى 4 من هذه المادة سرية، وفي جميع مراحل الإجراءات يلتمس تعاون الدولة الطرف… ويجوز للجنة وبعد استكمال هذه الإجراءات المتعلقة بأي تحقيق يتم وفقا للفقرة 2، أن تقرر بعد اجراء مشاورات مع الدولة الطرف المعنية ادراج بيان موجز بنتائج الإجراءات في تقريرها السنوي المعد وفقا للمادة (24).

–   والفقرة (1) من المادة 30، بشأن أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول فيما يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تنفيذها ولا يمكن تسويته عن طريق التفاوض، يطرح للتحكم بناء على طلب إحدى هذه الدول فإذا لم تتمكن الأطراف في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الموافقة على تنظيم التحكيم، يجوز لأى من تلك الأطراف أن يحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية بتقديم طلب وفقا للنظام الأساسي لهذه المحكمة.

 وبشكل عام تتركز تحفظات السلطنة في جانبين أساسيين، الأول بشأن اختصاصات لجنـة مناهضة التعذيب بالنظر في الشكاوى، والثانية بشأن التحكيم في حال النزاع. وتكاد تكون القاسم المشترك مع عديد من تحفظات الدول العربية.


(1)للمزيد من التفصيل انظر: موقع المفوض السامي لحقوق الانسان بالأمم المتحدة – لجنة مناهضة التعذيب،   https://www.ohchr.org/AR/HRBodies/CAT/Pages/CATIntro.aspx

(2) الأمم المتحدة – حقوق الانسان، مكتب المفوض السامي، نظام معاهدات حقوق الانسان في الأمم المتحدة، صحيفة وقائع رقم 30، الأمم المتحدة نيويورك وجنيف، 2012، ص13

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق