مقالات

“المعقّمون” في الأرض

محمد بن سيف الرحبي

أشبه بلقطات في مشاهد سينمائية، على درجة من الاتقان في أداء الدور، نخرج من بيوتنا نضبط ارتداء الكمامة كما نضبط المصر أو الكمه، قناع نغطي به معظم وجوهنا، كأننا مدعون إلى حفلة تنكرية، أو ندخل على مريض في غرفة ملاحظة، وإذا شئنا التخيل أكثر فكأننا مع ارتداء القفازات أشبه بذاهب لارتكاب جريمة، فلا أحد يعرف ملامحنا، ولا يقبض على بصماتنا..

نمشي بقلوب وجلة، وأنفس تحاذر خشية أن نصطدم به، قد يكون معلق في الهواء فتنفسه، أو يترصدنا في زر ماكينة الصرف الآلي، أو في اليد التي تمتد لتصافحنا، أو في بقعة ما يبحث عن ثغرة ليهاجمنا، فهو العدو الخفي،  كأنما ينقصنا أعداء في هذا الكون المفخخ بما لا يتخيله عقل من أنواع الأسلحة، البيولوجية والكيماوية وغيرها من مسميات.

كل لحظة علينا أن نعقّم أيادينا، حتى يمكن القول أننا صرنا على علاقة حميمية مع هذا المرطب الذي نستشعر معه الأمان كلما سكبناه على أيادينا، وكالسيل عليه أن يجرف ما علق من ذلك الكائن الخفي، ويظننا أننا لا نهزمه.

عدنا إلى مكاتبنا، وبدأت بعض الأبواب المغلقة في الأسواق والشوارع تنفتح أمام عودة الحياة التدريجية، مع أمل في تمدد هذه الرغبة في التحدي من أجل حياتنا التي يحاول هذا الفيروس اللعين سرقتها منّا.

هذه العودة ترتبط بقدرتنا على أخذ احتياطاتنا أكثر، كي لا ينال منّا على حين غفلة، كي لا يعيدنا إلى جدران بيوتنا، فنقول خليك مع الحياة بدلا من “خليك في البيت”، ولا يهمّ أن نبقى معقمين دوما، وملثمين، طالما أننا علينا أن نتمسك بكوننا أحياء، نقاوم من أجل معيشة لا يفترض بها أن تتوارى خلف الجدران.

ربما تجاوزنا الصدمات الأولى إلى حد كبير، لكن لا يفترض بالتعايش مع وجود هذا الفيروس أن نقلل من قوّته وسرعة نفاذه، والدور علينا.. لتستمر الحياة كما نحب.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق