مقالات

رسائل إلى صديقي السري

(٣٠)
صديقي السري،
تبـًا لك.

(٣١)
صديقي العزيز..
كيف أنت؟
عن حالي .. أحتاجك متجسدا لنصف ساعة.
لا بأس بالانصاف هنا. أقبلُ بها هذه المرة فقط.
صديقي الذي لا يصل لجماله إنسان..
حين كتبتُ «تبـًا لك» اِستنكر الناس هذا العتاب بحقك، وردتني ردود أفعالهم كما لم يسبق ورودها في رسائلنا السابقة. تلك كانت أجمل رسائلنا؛ لأن السماء أكرمت الأرض مطرا في الصباح التالي.
أُبلِغك.. أحٓبّـكٓ الناس، وإن أحسست أنهم يشاركونني بك فلن أفكر طويلا قبل إحالتك إلى العدم؛ لا أشارك أشيائي الخاصة جدا.
صديقي الرائع..
أخبرتُ نفسي أن المنامات تأتيني بحقائق كثيرة، وتزاحم الأصوات يزعجني، والاستغفال والوقت شيئان لا أقبل التفاوض حولها. تخيل أن تستخف نفسك بكلامك! شبه خيبة!
أتخبط من جديد.
لا أثق بالمندفـع من الناس؛ لذلك أجدني وقد وضعته أمام اِختبار مُحكم، لا أخسرُ فيه ولا أكسب، لكن تتعاظم في داخلي أشياء كثيرة، فأستغني. وقد استغنيت.
تطلّـب مني الأمر مخاضا عسيرا، ثم فهمت كيف يكون الاستغناء حفظا للكرامة.
إننا -البشر- نتجاوز بعضنا حين نشاء التجاوز، لكننا نرفض أن يتجاوزنا أحد؛ أنانيةً ونقصـًا ليس إلا. نود لو نبقى عالقين كالحشرجة في حناجر غيرنا بينما نستمتع بحياتنـا بعيدا عنهم.
هذا العالم -يا صديقي- ساديّ بدرجة ما.
تذكّـر يا صديقي ..
الأكثر نضجا، الأقل تعلـقا.
لأُبسط لك الأمر هنا؛ هذا العالم مادة صلبة لكنها تبقى مادة والمواد قابلة للتغير والتحول. وبأي حالٍ حين تتعلق فمصيرك السقوط كيفما كان شكله!
سؤال لك: أيجوز استغلال شخص يظن أنه يستغلك؟
صديقي الخاص جدا..
جلسات الاستماع التي يأتيني فيها الناس متحدثين عن حيوتهم لم تثبط فضول فتاة تكتب؛ لكلٍ حياته الخاصة وتلك ليست مشاريع للنشر، ولم تغنيني عن الجنون الذي يستلذ بتعذيب عقلي مقنعا إياه أن الخوض في الأشياء وحده ما يسوق الإجابات.

صديقي العزيز .. العزيز جدا،
لم يكن عالمي أقل اتساعا مما هو عليه هذه اللحظة، لذلك أجدني راغبة في العُزلة، تلك التي يظنها الناس اكتئابا وشقاء بينما أجدها سلاما لروحي.
نظام الكون واضح جدا، مع أننا في أحيان كثيرة نستنكر حقائقه. إذا كانت الحياة مقرونة بالموت، فلابد من النهاية، لا شيء يأتي بختم «الأبدية»، اِحذر أن تغتر بالعيش.
هل تذكر حين أخبرتك أن روحـي احترقت أربع ساعات ونصف وكنتُ -على مضض- أبتسم؟ احتراق الروح كيف يُنسى؟ وهل يُغـفر؟
أغفر عن السيئات إلا أنني لست بالمثالية التي تجعلني كثيرة الصفح، وأظنك تتفهم ذلك لأنني من البشر، وكالبقية لست على كمال!

لذلك .. لن يمر ذاك الاحتراق دون رد فعل مني.

صديقي الذي لا أعرف..
إن كان لابد من الصيرورة، فلا تكن بشرا، كُـن حجرا أو قاربا أو نملة.
أعتزل الناس بعد هذه الرسالة، إلى زمن لا أعلم قدره، إلا أنني سأبقي فعل الكتابة لك وحدك، أنت المدى الذي يبتلع كلماتي دون أن يردها إليّ صدى مزعجا.
اِبق خيالا لنبـق أصدقاء.. نفسك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق