مقالات

عفوا.. رقم المتبرع المطلوب غير موجود في الخدمة

 

محمد بن سيف الرحبي

ترددت كثيرا الكتابة عن العطاء، باعتبار أنه علاقة بين المرء وربّه، والصدقة الأفضل تلك التي لا تعلم الشمال فيها ما أنفقت اليمين، لكن دخول معالي وزير الصحة علينا “شمالا”، على غير عادة المسؤولين في بلادنا حفزتني لمفارقة هذا التردد قليلا.. فسلطان البلاد، حفظه الله ورعاه، قدم ما حسبنا أن هناك من مليونيرات البلاد من سيتسابقون في العطاء، لأن رمز البلد أحرجهم بكرمه البالغ، وكان القدوة التي ينبغي أن يسيروا عليها..

لكن معالي وزير الصحة قالها صريحة، أن التوقعات إزاء الأرقام التي وصلت إلى  صندوق مكافحة وباء كورونا أقل، وأقل بكثير، ونحن نشاركك هذا الإحباط معالي الوزير، لكن هذا غرس “التربية الحكومية” التي علّمتهم أنهم يأخذون من هذا الوطن، ولا يعطون، والحق لهم في كل عطاء، والواجب على الدولة تجاههم في كل أخذ..

هذه الأنانية ليست غريبة عليهم، فقد عاشوا خمسين عاما ينتظرون ماذا يحصلون عليه من الكعكة، أو بالأحرى ماذا يمكنهم الحصول عليه أكثر من غيرهم.. فتوجّه الفكر (للأخذ) وليس (للعطاء)، للتخطيط في المزيد مما يمكن كسبه، مع أن العطاء من أجل الوطن هو الكسب الحقيقي.

تلك الستة عشر مليونا والنصف مليون ريال (تقريبا) كنا نحسبها تخرج في شيك واحد أو ثلاثة على الأكثر من أصحاب وكالات السيارات التابعة لـ (فلان وفلان وفلان)، وقد أثمرت مئات الملايين بين أيديهم من مشتريات الحكومة، من السيارات الفاخرة التي يدفع فيها أكثر مما يدفعه المشتري العادي، ومن خدمتها وصيانتها، حيث الفاتورة لا تعاد للمبالغة في الرقم المكتوب، وخلال خمسة عقود كانت الدولة الضرع الذي يدر سمنا صافيا وليس حليبا فقط مع كل مشتريات سنوية او موعد تغيير سيارات أصحاب المعالي والسعادة وووووو!.

 تلك الستة عشر مليونا والنصف مليون ريال (تقريبا) كنا نظنها من ثلاثة بنوك، لا أكثر، وهي تعلن عن أرقام أرباحها (الربع سنوية) ولا أقول السنوية، لا يبدو الرقم كبيرا حين تدعو الدولة الناس للتبرع في وقت الشدة، لمكافحة وباء مدمر كهذا، فالتبرع ليس لإقامة حفل خيري، أو لدعم مشروع إسكاني، وخير البنوك من أكتاف الدولة، بما يسرته لها، وبما منحتها إياها من فرص.

تلك الستة عشر مليونا والنصف مليون ريال (تقريبا) كنا نظنها من ثلاثة أسماء، لا أكثر، (فلان وفلان وفلان) وفي خزاناتهم مئات الملكيات لقطع الأراضي، وبينها ما نالوه منحة، أو هبة، أو بوسائل يعرفونها حينما تتحول من سكنية (في وقت الشراء) إلى تجارية أو صناعية بعد حين من التخطيط، وقد أصبحت قيمة بضع أراضي كافية لسد ما يحتاجه صندوق التبرعات دون حاجة لأيدي الخير الأخرى.

انتظرنا مبادرات من مجالس البلاد الثلاثة، وعدد أعضائها يقارب المائتي، أن راتب شهر فقط، لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة إليهم، قد ذهب لدعم الصندوق، أن نسمع عن حملة الألقاب، وما أكثرهم في بلادنا، فكم هم من حملة (أصحاب المعالي) وأكثر منهم بأضعاف (أصحاب السعادة) وكأننا في ذلك نبتغي الرقم القياسي، وغيرهم من المستفيدين من الفرص التي وفرتها الدولة الكثيرين والكثيرين.

لكن نعود مرة أخرى إلى القول: لقد تربّوا، وطوال خمسة عقود، على انتظار ما سينالونه من كعكة الوطن التي كانت دسمة في أياديهم، لكنها خسرت دسامتها يوم أن راهنت عليهم.

نعم، هناك من أعطى، واتقى.. وتصدق بالحسنى.

لكن هناك من القادرين ممن “بخل واستغنى”.

وتبقى الأرقام دالة على أن “التوقعات أقل بكثير” وعلى مستوى صادم، لدرجة أن المسؤولين الذين تعودنا منهم الدبلوماسية في الحديث عن هذه المسائل فاض بهم الكيل، إنما شكرا معالي وزير الصحة، كنت الرجل الذي أثبت أن الرهان عليه كبير حقا، وكنت رجل المهمات الصعبة بحق، وشكرا لأنك أيقظت فينا حقنا في التساؤل: لماذا في بلادنا نكثر من الحديث عن المثاليات والعطاء وحب الخير، وحينما تأتي الشدائد نقصر الخطى عن التقدم نحو الوقفة الجادة مع هذا الوطن، وكان الواجب علينا أن نعطيه أضعاف ما منحنا من حقوق؟!.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

إغلاق