العام

جدوى استحداث شركة الشخص الواحد في سلطنة عمان

في إطار التعاون بين «مكتب اليحيائي وسالت» و»مجلة التكوين» ننشر في هذه الزاوية ملخصات البحوث الفائزة بالمسابقة البحثية الأولى لطلبة القانون، نبدؤها بهذا العدد وستتوالى في الأعداد القادمة. يذكر أن مكتب اليحيائي وسالت أطلق خلال شهر رمضان المبارك للعام ١٤٣٩ هذه المسابقة التي هدفت إلى تعزيز ثقافة البحث العلمي لدى طلبة القانون بجميع كليات السلطنة الحكومية منها والخاصة، لأجل تشجيع الطلاب على استغلال ما يتعلمون من معارف ومهارات من أجل كتابة بحوث علمية مصغّرة تتناول مسألة قانونية معيّنة.

ملخص دراسة من إعداد:
هلال بن محسن بن هلال الرواحي
أشرف بن شيخان بن سالم العوفي
الشيماء بنت صالح بن عبدالله العدوية

اتضح اهتمام المشرّع العماني بمواكبة النظام التجاري القانوني العالمي منذ الوهلة الأولى للنهضة المباركة، وقد بدا ذلك جليا بصدور قانون الشركات التجارية رقم (74/4) الذي شكّل اللبنة الأولى في تقنين أنشطة الشركات التجارية في سلطنة عُمان، والذي تزامن مع صدور قانون السجل التجاري رقم (74/3)، واستكمالا لهذه المسيرة؛ فقد صدر قانون الوكالات التجارية رقم (77/26)، وقانون التجارة رقم (90/55)، ولقد تُوّج هذا التسلسل التشريعي والتقنين المنظِّم للاستثمار بانضمام سلطنة عُمان لمنظمة التجارة العالمية في 9 نوفمبر من عام 2000م تعزيزا للانخراط في المنظومة العالمية.
وطوال الفترة السابقة والقوانين المتعاقبة؛ كان المشرع العماني يقف وحيدًا من بين دول مجلس التعاون الخليجي بموقف سلبي إزاء شركة الشخص الواحد من خلال تمسكه بفكرة تعدد الشركاء كركن من أركان تأسيس الشركة، وما يدلّل على ذلك المادة (1) من قانون الشركات التجارية رقم (74/4) التي عرّفت الشركة التجارية بأنها «عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يشتركوا فـي مشروع يستهدف الربح»، كما أن الشركات التي نظمها القانون ذاته مذكورة على سبيل الحصر بنص المادة (2).
ولم يكن لشركة الشخص الواحد نصيب في التقنين التشريعي العماني، بما في ذلك خلو قانون المعاملات المدنية – عند تطرقه لأحكام عقد الشركة- من أية إشارات تشير لجواز تأسيس شركة الشخص الواحد بالرغم من حداثة هذا القانون حيث إنه صدر في عام 2013م، ولعلّ العلة التشريعية في إغفال هذا النوع من الشركات في قانون المعاملات المدنية هو وجود قانون خاص تطبيقه أولى من تطبيق قواعد القانون العام، ولا فائدة من إجازتها؛ لتمسّك المشرّع في قانون الشركات -وهو قانون خاص- بفكرة تعدد الشركاء بالرغم من اختلاف المراكز القانونية التي ينظمها كلا القانونين؛ وبناء للاعتبارات التي أسلفنا ذكرها ارتأينا التمحيص في جدوى إنشاء هذا النوع من الشركات في سلطنة عمان من خلال اتباع المنهج التحليلي.
وتبرز أهمية هذا النوع من الشركات في زوايا متعددة، فمن حيث البعد التاريخي تزامنت فكرة الشخص الواحد مع الثورة الاقتصادية الثانية في الدول الأوروبية، حيث اعترف قانون الشركات الألماني الصادر في 20/4/1892 بنظام شركة الشخص الواحد من خلال إجازته تخصيص الذمة المالية، أما من الناحية العملية فتعتبر شركة الشخص الواحد ملاذا آمنا للمستثمرين من مخاطر الإفلاس؛ لمحدودية مسؤوليتها، كما تمثل مركزا محوريا في إنشاء قاعدة واسعة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أما من حيث الجانب القانوني؛ فإن طبيعة القانون التجاري متغيرة ومتسارعة مما يتحتّم على المشرّع تقنين أحدث الممارسات التجارية بغية تحقيق فعاليّة النظام القانوني واندماجه مع النظم العالمية استجابة لمتطلبات الألفية الثانية.
وتكمن إشكالية البحث في تصادم فكرة الشخص الواحد مع أهم المبادئ المستقر عليها قانونا كمبدأ عدم جواز تخصيص الذمة المالية، وتعدد الشركاء، ونية المشاركة، كما أن الخروج على هذه المبادئ نتج عنه خلاف فقهي في الأساس القانوني الذي تقوم عليه شركة الشخص الواحد، وجدوى استحداثها في ظل وجود المؤسسات الفردية، ومدى إمكانية خلق نظام قانوني يتناسق وطبيعة شركة الشخص الواحد.
واستفتحنا البحث بالتعريج على بعض من التعريفات التشريعية والفقهية لشركة الشخص الواحد وبيّنا انتقادنا لها، والإشكالات المتعلقة بالصياغة القانونية، وانتهينا إلى أن شركة الشخص الواحد هي شركة تؤسس أو تتحول ليمتلك أسهمها شخص واحد مع استقلال ذمته المالية العامة عن رأس المال المخصص للشركة.
واستقرت عقيدتنا على أن الأساس القانوني الذي تستند عليه شركة الشخص الواحد هو الاعتراف بالشخصية القانونية للشركة، وعنها تتفرع الآثار القانونية، ومن أهم الآثار المترتبة منها الذمة المالية التي تعتبر مجموع الحقوق والالتزامات المالية للشخص، وهي تدور معها وجودا وعدما، والمبدأ القانوني الذي أرسته المادة (268) من قانون المعاملات المدنية رقم (29/2013) أنّ «أموال المدين جميعها ضامنة للوفاء بديونه».
وبما أن المشرع العماني عدّد أنواع الشركات التي ينظمها القانون في المادة الثانية من قانون الشركات التجارية على سبيل الحصر،وهي: شركات التضامن، والتوصية،والمحاصة، باعتبارها شركات أشخاص،وشركات المساهمة،
ومحدودة المسؤولية، والقابضة، باعتبارها شركات أموال، فإننا نرى ضرورة ضم شركة الشخص الواحد إلى شركات الأموال مع تشريع بعض من أحكامها الخاصة بما يتلاءم وأهداف إنشائها وبما يحقق القيمة القانونية التي أدت إلى الخروج على أهم المبادئ المقررة قانونا.
ولقد استعرضنا مزايا إنشاء شركة الشخص الواحد بالمعاينة للتشريعات الغربية والعربية في تقنينها نظرًا لما تتمتع به من خصائص على الصعيد القانوني والاقتصادي، وتتلخص هذه المزايا في:
سهولة تكوينها وتحويلها:تكوين شركة الشخص الواحد يكون بطريقتين: طريقة مباشرة يعبّر فيها الفرد بإرادته المنفردة عن نيته بإنشاء شركة يتملك رأسمالها كاملًا دون الحاجة لتوافق إرادتين، وطريقة غير مباشرة في حال اجتماع كل الحصص في يد شخص واحد من خلال تنازل الشركاء الباقين عن حصصهم بحيث تنتقل الشركة ذات المسؤولية المحدودة إلى شركة شخص واحد.
محدودية المسؤولية: تعتبر الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة لشركة الشخص الواحد أهم ما يميزها عن المؤسسات الفردية؛ حيث إن مالك الشركة يكون مسؤولا عن ديون الشركة في حدود الحصص التي يمتلكها أو الجزء الذي دفعه لتكوين رأسمال الشركة ولا تمتد مسؤولية الشركة إلى أمواله الخاصة.
القضاء على الشركات الصورية:إن قيام الشركة على الفكرة العقدية ووجوب تعدد الشركاء كركن من أركان تأسيس عقد الشركة، واشتراط وجود نية المشاركة أتاحت للمستثمر الفردي التحايل على المتطلبات القانونية لتأسيس الشركة من خلال تعامله مع شركاء وهميين صوريين، ونحن نرى أنّ تقنين شركة الشخص الواحد يمنع سلوك المستثمرين لطرق احتيالية تخالف المقرر قانونا.
تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة: تعتبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة محركا مهما للنشاط الاقتصادي الوطني من حيث مساهمتها في زيادة الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت نسبة مشاركتها في حجم النشاط الاقتصادي في سلطنة عُمان ما يقارب 90%، كما أنها تقوم بتعزيز الاستثمار الأجنبي.
ولقد توصلنا في نهاية هذا البحث إلى مجموعة من التوصيات التي نقدّر أهميتها في رسم المسار التشريعي لشركة الشخص الواحد في سلطنة عُمان، وهي على النحو الآتي:
رتق الفراغ التشريعي بما يواكب المنظومة التشريعية العالمية من خلال اعتراف المشرع بشركة الشخص الواحد وتنظيم أحكامها صراحة من خلال تعديل المادة الأولى من قانون الشركات الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (4/74)؛ ليشمل التعريف الشركات التي تتكون بإرادة منفردة.
اعتبار شركة الشخص الواحد من شركات الأموال مع إفراد تنظيم خاص لها مع تقرير جواز إنشاء شركة الشخص الواحد من المستثمر الأجنبي مع وضع مجموعة من الضمانات.
إرساء ضمانات تكفل عدم تعسف مؤسس الشركة استغلالا لمحدودية مسؤوليته من خلال تقرير امتداد المسؤولية لأمواله الخاصة في حال ثبوت تعامله بسوء نية قاصدا الإضرار بالغير.
السماح بتحول الشركة ذات المسؤولية المحدودة إلى شركة الشخص الواحد حال اجتماع الحصص في يد شريك واحد كطريق غير مباشر لتكوين شركة الشخص الواحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق