الثقافي

أطفال الحجارة .. صور الخلود والإباء في ذاكرة الطوابع البريدية

كتب: خالد المعمري

باحث في التاريخ البريدي

أثبتت الطوابع البريدية دورها في توثيق وتدوين الأحداث التاريخية عبر السنوات، وكانت حاضرة في أغلب المناسبات المحلية والعالمية، ومساهمة أيضا من الدولة المصممة للطابع لما يدور في العالم من أحداث تستحق التوثيق. ولم تعفل أغلب الدول في العالم القضية الفلسطينية كل حسب استطاعته. وهناك طوابع قد تمر علينا بدون أن نعرف قصتها وما سبب الإصدار، ولكن يجب أن نعرف أن لكل طابع قصة أو هدفا أو مناسبة لصدوره.

وسوف نتناول بعض الشخصيات الفلسطينية وهيه لأطفال الحجارة منهم من استشهد وخلدته الطوابع البريدية وظلت شاهدة على بطولاتهم وتذكرة للمستقبل عن قصصهم الخالدة. 

وأبطال موضوعنا هذه المرة هم ثلاثة أطفال اصبحوا رموزا في كل العالم، وجرى تكريمهم كأبطال من قبل أغلب الدول من خلال إصدار طوابع خاصة لهم توثق بطولات أطفال الحجارة.

الشهيد فارس عودة

من مواليد ديسمبر 1985م، التقطت الصحافة العالمية صورة له وهو يتصدى بالحجارة لدبابة إسرائيلية، من نوع الميركاڤاة، وتصدرت صورته أغلب الصحف والمجلات العالمية، وحازت هذه الصورة على إعجاب المجتمع الدولي ببطولة وقوة هذا الطفل الصغير الذي وقف بكل قوته وعزمه أمام الدبابة، ولكن بعد 9 أيام من نشر هذه الصورة، وبالتحديد في 8 نوفمبر 2000م، أي بعد شهرين من اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية، استشهد فارس عودة برصاصة العدو الصهيوني، بالقرب من معبر المنطار، شمال غزة. رحل في الخامسة عشر من عمره، وما زالت صورته التي هزت العالم ماثلة في الذاكرة. ويعد الإصدار العماني من أهم وأشهر الطوابع لتكريم فارس عودة، تخليدا لذكرى الانتفاضة من خلال صورة الشهيد فارس عودة وهو يرمي الدبابة بالحجارة، بالإضافة إلى إطوابع تكريمية أصدرتها دول أخرى عربية وعالمية. لقد رحل فارس مودة عن الدنيا وما زالت ذكراه خالدة إلى اليوم في قلوب الملايين من البشر.

الشهيد محمد جمال الدرة

الطفل الشهيد محمد جمال الدرة، أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الخالدة الذي ما زالت صورة استشهاده عالقة في الأذهان إلى يومنا هذا. الصورة التي التقطها المصور الفرنسي (شارل اندر لان)، مراسل إحدى القنوات الفرنسية، توثق مشهد احتماء محمد وأبيه خلف برميل، بعدما وقعا وسط تبادل لإطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية.

ولد محمد جمال في 22 نوفمبر 1988م، بمخيم البريج، بقطاع غزة. وفي 30 سبتمبر2000م، في ثاني يوم من انتفاضة القدس كانت المدارس مغلقة بسبب الاحتجاجات، وكان محمد يسير مع والده في الشارع، وتفاجأ بتبادل إطلاق النار. وعند احتماء الابن وابنه خلف البرميل، حين أيقنا ان الهلاك قادم لا محالة، ومع بكاء الطفل الصغير توسل الأب من مطلقي النار بالتوقف، ولكن بدون فائدة. وبعد عدة محاولات فاشلة من جمال الدرة أن يحمى ابنه من النيران المشتعلة اخترقت رصاصة يده اليمنى وخرجت منها، فأصيب محمد بأول طلقة في رجله، وأخذ يصرخ بأنه أصيب برصاصة. وعندما حانت ساعة الفراق أصيب مره أخرى بطلقة ثانية في ظهره لترديه شهيدا، فسقط على ساق أبيه. وقبل استشهاده قال لأبيه: اطمئن يا أبي، أنا بخير ولا تخف منهم. كل هذا والمصور الفرنسي يصور الحدث في مشهد هز البشرية وأدمع الأعين لاستشهاد محمد جمال الدرة على هذا النحو. وقد وخلدت الطوابع ذكراه، وأصدرت العديد من الدول طوابع بريدية تكريما له، وما زال مشهد استشهاده عالقا في الأذهان.

   

الشهيدة إيمان حجو

من أكبر وأبشع الجرائم هو استشهاد الطفلة الصغيرة ذات الأربعة اأشهر إيمان حجو في حضن أمها، بعد أن أصابتهما قذيفة دبابة صهيونية، وقبلها بستة أشهر أصيب والدها أيضا برصاص الاحتلال وأصبح معاقا. 

كانت أسرة إيمان في رحلة لزيارة أهلهم، وصادفت هذه الزيارة إسقاط القذائف، فصرخت الطفلة إيمان فزعا، لتسارع أمها وجدتها إليها وتضمها أمها إلى صدرها، وكانت العائلة تهم بالخروج من المنزل إثر القصف المستمر، خوفا من وقوع البيت عليهم. وفي نفس اللحظة تطلق إحدى الدبابات المتمركزة بموقعها المطل على البيت، في حي الأمل قذائفها فتسقط ثلاث قذائف على باب المنزل وقت خروج العائلة منه هربا من القصف، لتستشهد الطفلة إيمان على الفور، وهي في حضن أمها، وأصيبت الأم أيضا، ولكنها قاومت الإصابة وخرجت تبحث عن مساعدة، إلا أن إيمان فارقت الحياة، لتظل أيقونة أخرى من أيقونات فلسطين الخالدة، وطيرا من طيور الجنة، لتكون بذلك أصغر شهيدة تزفها فلسطين، ويصبح مقتلها جريمة بشعة تحرك مشاعر العالم. 

هذه بعض النماذج الحية في الذاكرة لأطفال الحجارة والمقاومة، أطفال فلسطين الأبية. وما زال مسلسل استشهاد الأطفال مستمرا إلى هذه اللحظة وإلى أن تتحرر فلسطين، وترجع عربية خالصة، يسودها السلام. فتحية لكل الأبطال والشهداء، تحية إلى أهل فلسطين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق