مقالات

أزمة كوفيد 19 بين قلق الإصابة، ومرارة الفقد

 

بقلم: د. رضية بنت سليمان الحبسية

 

 

 لم يخل العالم على مرّ العصور من تعرّضه لأزماتٍ سياسيّة، اقتصاديّة، صحيّة، وغيرها. والتي ألقت بتأثيرها على اسلوب ونمط حياة البشريّة، بل وعلاقات الدول مع بعضها البعض. ناهيك عن امتداد تأثيرها لسنوات ما بعد انتهاء الأزمة، سواء على المستوى الاقتصاديّ للدول أو النفسيّ للأفراد أنفسهم.

وها هي جائحةُ فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) تمثلُ أزمةً عالميةً، تجوحُ العالمَ بأسره متخطيّة الحدود الدوليّة جوً، برًا، وبحرًا.  التي فرضت على العالم إجراءات وقائيّة واحترازيّة للتّعامل مع هذا الفيروس الذي لم يكن له لقاحًا حاضرًا، ولا علاجًا عاجلًا، الأمر الذي لجأت معه كافة الدول إلى تطبيق إجراءات التَّباعد الاجتماعيّ أولًا ثم الجسديّ لاحقًا؛ لتقليل فُرص نقل العدوى، ومحاولة السيطرة على أعداد المصابين والحدّ من انتشار هذا الوباء، وبالتالي تقليل الخسائر البشريّة والاقتصاديّة على حدّ سواء.

ومع تلك الأزمة والتي تُعَدّ الأولى في حياة كثير من المعاصرين، كان لها من التَّداعيات تخطّت قلق الإصابة إلى مرارة الفقد: لقريب، حبيب، أو صديق. فبات شبح فيروس كورونا يُطارد الصغير قبل الكبير، فلا يدرك الفرد من أين ستأتيه الكارثة، وبأي أي حال عليه سيكون.

يُمثّلُ التَّباعدُ الجسديّ أحد الإجراءات الأكثر فعالية للوقاية من الإصابة بفيروس كورونا(كوفيد19) حتى تاريخ المقال؛ لإنقاذ البشريّة من هذه الجائحة في ظلّ تأخر اكتشاف لقاح أو علاج يكافحُ ذلك الفيروس. وبالمقابل فإنّ له من الآثار الاجتماعيّة والنفسيّة على الناس مالا يخفى على بشر، بحسب ما أشارت إليه بعض الدّراسات التي أُجريت في هذا المجال.

ففي استطلاع رأي أعدّه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات خلال الفترة من (7-21) مايو 2020م حول تأثير فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، أشارت نتائجه إلى أنّ 58% من العُمانيين تأثروا نفسيًّا بشكل سلبي بدرجةٍ كبيرة أو كبيرة جدًا بسبب تطبيق التباعد الاجتماعي. والجدير بالذكر أنّ تعاظم تلك الآثار على الصّحة النفسيّة أمرٌ مُحتمل لا على المستوى المحليّ فحسب، بل الإقليميّ والعالميّ أيضا. خاصة في ظل تزايد انتشار الفيروس مع طول مدة الجائحة، واستمرار تطبيق الإجراءات الاحترازية: كالبقاء في المنزل لفترات محددة، إيقاف بعض الأنشطة والتَّجمعات، تحويل التّعليم إلى تعليم مُدمج أو عن بُعد، إغلاق المساجد، وحظر السفر لبعض الدول.

إنّ التأثيرَ السلبيّ على الصّحة النفسيّة كحالات القلق والاكتئاب والانفعال؛ نتيجة إصابة الفرد أو أحد أفراد عائلته بفيروس كورونا، له انعكاسات مباشرة على علاقاته بذويه وبالآخرين. والمشهد أكثر ألما وأثرًا مع حالات الفقد من ضحايا هذا الفيروس؛ لارتباطه بظروف العزل السريريّ للمصاب في المؤسسات الصحيّة إلى أن يُوارى في مأواه الأخير، دون وداع أو توديع. فيتجرع الفاقد مرارة المصاب الجلل بلا حول له ولا قوة، مؤمنًا بأنّ الله خلق الآجال وقدّرها، مُسلّمًا الأمر والروح لباريها، فأقصى ما يمكن قوله: لله ما أخذ وما أعطى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ختامًا: يُوصي المختصون في مجال الصّحة بضرورةِ تعزيز الصَّلابة النفسيّة لدى الأفراد والمجتمعات. ولتجاوز هذه الأزمة بأمانٍ: يتوجّبُ علينا تقبّل الواقع والتَّعايش معه بإيجابية، ولأجل سلامة بلادنا اتباع الإجراءات الاحترازية، وعدم التَّراخيّ في الالتزام بالإجراءات الوقائية. وامتنانًا لجهود الحكومات في التَّعامل مع جائحة فيروس كورونا، فإنّ عبارات الشُّكر لكافة العاملين في القطاعات الصحيّة واجبة، وأثنية جُهود المنظمات والمؤسسات الوطنيّة والدوليّة في كافة القطاعات لازمة. ونختتم المقال بقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. (سورة البقرة، الآية: 155-157)

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق