الثقافي

حوار.. خلف باب موصد

عهود الزيدي

– أراك؟

–  لم ! 

– إشتقت لكِ شوقا…

– أكاد أصدّق..

– والذي خلق الشوق بأضلعي إشتقت إليك.

– لا مجال للقاء.

-لماذا؟

– الزمان والزمان غير مناسبين.

– ولو سلام بجانب مسكنكِ

– أوتعلم أين سُكناي؟!

– سترشديني يا حُلوتي

وبعد مماطلة لذيذة اسْتَسْلَمست شوقا، وجنونا لسلامٍ عآبر.. أرسلت موقعها.

– قريب من مدينتي الشاطئية.

– آتٍ ونبض القلب يسبقني إليكِ، أنصتي إلى قلبك.

– ما زلت أنصت إلى حروفك.

– سيخبرك أني وصلت.

–  بهذه السرعة؟!

– أنتِ أقرب من القرب ..

–  والزحام..؟

— تلاشى مع عداد الشوق.

– أمهلني بضع دقائق .

تملأ ما يغطي جسدها من ملابس عطرٍ، تفوح غرفتها وتشتعل زكاوة. تُغلقها وتخبيء مفتاحها في جيب بنطالها الخلفي، نظرة سريعة على المرايا القابعة في الممر.

  •  أبدو مذهلة جدا ، وأنا على بساطتي.

نزلت على مهلٍ ، بعدما أرتدت حذائها . ألقت نظرة متمعنة على الشارع.. تساءلت: يا تُرى أي سيارة تَحويك، عادت مسرعة إلى غرفتها، تلقفت هاتفها، وأرسلت:

– في أي اتجاه تقف؟

– على يساركِ..

ومرة أخرى إليه دون هاتفها !ألقت بخفّتها العاشقة على كرسي السيارة، مرّت السنوات سريعة كأنها لم تكن ثلاثا.. 

–  مضى عمر، كبرنا معه وغزا الدهر ملامحنا.

– أنتِ متجددة ، تَكبرين يوما و”تَحلوّين” عاما. 

استأذنته لتعود إلى غرفتها، وسكينتها، فاجأها:

– لا، أرجوك إبق قليلا، سَنكمل حكاياتنا…

– “لفّة” سريعة فقط..!

– إطمئني.

يمسك يدها، يمتزج النبض بالنبض على إستحياء.

–  ما سر جمالك يا فتاتي؟!

– السر بعينيكَ وبؤبؤها.

حكايا سريعة خاطفة، مابين ماضي الشرارة الأولى؛ كفاح البحث عن الوظيفة؛ حاضر الحياة، وغزارة شاعر متمرس.

– عُد أدراجك ، لا أحبذ البقاء خارجا..

– ألا تودين المجيء إلى موطني!

– أبدا، لا أستسيغ ذلك..

– ورب كل شيء، ستكونين في مكانكِ في الوقت المحدد، لن نتأخر..

– ماذا تريد مني؟

– لا شيء سوى الحديث إليكِ، في جو هادئ ولطيف.

على مضض وافقت ، بإندهاش ذراتها أجمع!

– الزحام يقتل الوقت.

– لا تقلقي.

ما يقارب خمس وعشرين دقيقة مرت ..

–  وصلنا، إنزلي بحذر.

– المكان مظلم…

يُنير مصباح هاتفه النقال، وتمضي وراءه، يفتح باب الغرفة المنزوية على بيت عامرٍ، فُصلت بجدار يتسلل منه صُراخ الأطفال والحياة.

  • خذي راحتك، المكان مكانك.

تخلع نعليها، على طرف السرير جلست بإستحياء، وهي تتأمل الغرفة، غرفة عزّاب، بعض الحاجيات المرمية على الأرض دون ترتيب، مرايا على يسار المدخل، مستودع صغير قابع، ودورة مياه لا تتعدى مساحتها المترين، الغرفة نظيفة جدا، باردة قليلا.. تطفيء ما أحدثته الحرارة الخارجية . 

  •  أخيرا بمعيتي!!

يُباغتها بقبلة تلتهب لها أوردتها، تقاومه، وتقاوم انهيارات داخلها..

  •  لا أستطيع مقاومة سحركِ.

يمسك يدها، يندلفان إلى المرآة الواسعة على اتجاهات شتى، يَضمها أمانا، حبا، وموطنا، أمامها..

– أصبحت شغوفا بكِ.

– خدعتني! 

–  لن يحدث شيئا دون رضاكِ.

يهمس في أذنها …

-أحبكِ بلا إكتفاء. 

– صراحة، أحب طريقة حُبك لي .

ويستمر العناق عمرا باهيا.. وبه تخْضّر الرغبة إخضرارا قاتما..

  •   لا أستطيع التحمل، هل لي بشيء من رحيق وردك !

وقبل أن تنبس ببنت شفة، يسحبها إلى السرير، مُعلنا حربا شرسة، فيها الطرفان لا يفكران في معايير الربح والخسارة!

– أذهلتني!

– كُنت أستعد لهذه اللحظة زمنا.

– هل رأيتني أستحق العناء؟

– دوما وأبدا، توقف عمركِ عند الثامنة عشر ربيعا.

تنهض مُثقلة الرأس، تلملم أشياؤها وما تبقى لها من كبرياء، “هيا لنعد، تأخر الوقت” قالت، وهي تلف حجابها على رأسها

– أتعودين يوما إليّ؟

– دع الأمور تسير كما تشاء القدرة.

– في إنتظاركِ، ولو يبلغ عمري عتيا..

يصعدان السيارة، ويتذكر باقة الورد الموضوعة بحذر في المقعد الخلفي ..

– هذه لكِ، أعرف أنك تعشقين الورد .

– أتعلم؟ أنت الوحيد، من يُهديني وردا!

ترتسم على ملامحه علامات الظفر.. 

  • لقد فعلتها وأسعدتك 

يرتشفان عصير الليمون الطازج، في طريق العودة ، وبه يمحوان آثار الإنتشاء !

تعود إلى بيتها.. مثقلة ..ما بين ابتهاج نفسي يُعانق الغيم، وتأنيب الذّرات ..

– أأصبح حَبْلَى ..!

ترتعد فرائصها وتردد:  والله، لم أك بغيّا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق