السياحي

متحف بيت الغشام تجربة ثقافية وسياحية.. أسرية

يعيد “بيت الغشام” أبوابه أمام زواره مرة أخرى، ولكن هذه المرة أمام الجمهور الراغب في التعرف على بيت أصبح متحفا، وأهدافه تقديم سياحة ثقافية برؤية أسرية تراعي أن لا تبقى جدران المكان شاهدة على عصر فات، بل على زمن ممتد، يكون المتحف فيه جزءا من منظومة سياحية متكاملة تقدم رؤيتها من منظور ثقافي، يجمع بين الأمسيات الأدبية والفنية والمعارض والترفيه.

انعاش الحركة الاقتصادية

استطلعت التكوين انطباعات اعيان وأهالي ولاية وادي المعاول، بداية من سعادة الشيخ خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى، يقول:

تزخر ولاية وادي المعاول بمقومات سياحية جاذبة للسياحة والتي تستهوي السائح، وأحد أبرز هذه المعالم متحف بيت الغشام الذي يعد واجهة مشرفة للولاية تستقطب المثقفين والمفكرين والأدباء للاطلاع عن كثب على مقتنيات هذا المتحف، الذي أعيد ترميمه بالطريقة المعمارية القديمة ليحافظ على شموخه وكيانه المعماري، كما يحتوي على قاعات للندوات والمحاضرات التي تمكن الزائر من الاستفادة بشكل أكبر، وترفد هذا الجانب مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والتي تعنى بنشر الكتاب وتتولى توزيعه على المستوى المحلي والإقليمي وتسعى المؤسسة لتعزيز قيم التعاون والعمل المشترك في مختلف المؤسسات المعنية بالثقافة والنشر بالسلطنة.

وعلى أثر ما تقدم فإن المعطيات تشير إلى أن المتحف ومن خلال مرتاديه سوف ينعش الحركة الاقتصادية في الولاية ويوفر فرص عمل لأبنائها، علاوة إلى فتح مجالات أرحب في تطوير قطاع الفنادق والمنتجعات الذي يعطي الإذن للقطاع الخاص للاستثمار في المجال السياحي لما له من مردود إيجابي نتيجة ارتياد السياح للولاية وتحديدا زائري متحف بيت الغشام،  أملنا في إحداث نقله نوعية في المستقبل القريب لجعل الولاية أكثر ثراءً في التنوع الفكري والثقافي.

البيت يستعيد مكانته                                                                                          

يقول المكرم ناصر بن راشد بن حمد البحري – عضو مجلس الدولة: يُعد بيت الغشام واحد من المعالم الأثرية التي تزخر بها ولاية وادي المعاول، بقى شامخا لأكثر من مائتي سنة رغم تقلبات الدهر، وقد كانت تعصف به السنين ويندثر بعد أن هجره أهله خلال السنوات القليلة الماضية، الى أن قيض الله له يد كريمة غيورة على تراث هذا الوطن العزيز، فهبت الى نجدته ساعية بكل جهد الى ترميمه واستعادة مكانته كمعلم تاريخي ونزلا اجتماعي رفيع. وها هو بيت الغشام يفتتح الآن بثوبه القديم المتجدد أمام الزوار والسياح المهتمين بتراث هذا البلد العريق ، حيث يضم متحفا ومكتبة خاصة ومرافق متعددة. والله تعالى نسأل أن يكلل هذه الجهود المخلصة بالنجاح والتوفيق تحت ظل القيادة الرشيدة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه .

  أهمية كبرى للفعاليات الثقافية

الشيخ حمد بن خالد بن ناصر المعولي يقول: يعتبر بيت الغشام أحد المعالم الأثرية والتاريخية المهمة بولاية وادي المعاول، وتحديدا في قرية الشلي ببلدة أفي وهو منزل السيد محمد بن أحمد بن ناصر الغشام البوسعيدي، الذي سمي هذا البيت بهذا الاسم بلقبه الغشام، ثم صار للسيد احمد بن هلال بن علي البوسعيدي والد السيد المرداس بن احمد الى أن قام السيد علي بن حمود بن علي البوسعيدي بشرائه بغرض ترميمه، حيث من المتوقع أن ينشّط هذا المتحف الحركة السياحية والاقتصادية بالولاية لما يتميز به من طراز وفن معماري بديع، حيث يحوي على العديد من الغرف إضافة الى الصباح والسبلة وبعض الغرف المحصنة وأبراج المراقبة وحوش كبير، كذلك به بئر وأماكن للتخزين ويحوي أيضا على نقوش وشواهد موجودة بالكتابات الجدارية والتي يتجاوز عمرها 300 عام تقريبا، كذلك فانه من المؤمل من الملتقيات والمعارض والفعاليات التي ستقام في بيت الغشام بأن تسهم كثيرا في زيادة عدد السياح للولاية مما سينعكس ايجابا في تنشيط الحركة الاقتصادية بالاضافة الى إنشاء مرافق لبيع الهدايا والتحف بما يسهم في إيجاد فرص عمل للمواطنين سواء من داخل الولاية أو خارجها، وكذلك الترويج للمنتجات الحرفية والتحف القديمة التي تزخر بها ولاية وادي المعاول، متمنيا لمؤسسة بيت الغشام دوام التوفيق لما تقوم به دور كبير في ابراز الجانب الثقافي والتاريخي للسلطنة.

تجهيز المتحف

يقول سعيد بن خلفان النعماني مدير المتحف: عندما بدأنا تجهيز متحف بيت الغشام بتُحَفِهِ ومقتنياتِهِ الأثرية التي نراها الآن وقد ازدان بها المكان، ووهبها البيتُ أبهةً وروعةً، بدأنا بوضع التصور المتكامل لكي يكون هذا البيت مُتحفاً بدًأ بواجهته الجميلة وجدرانه الخارجية ونهايةً بالغرف الأرضيةِ والعلويةِ وكذلك المرافق الاخرى كالمجلس والمصلى، ذلك لأن واجهات المباني الخارجية في البلدان الإسلامية عموما وعمانُ خصوصا لا تُعبِّر دائماً عن وظيفتها المحددة فجدران البيوت العالية غالبا ما تكون بلا نوافذ ولا يتخللها الا مدخلٌ واحدٌ فقط. ويرجع ذلك الى أَسبابِ الدفاعِ والعزلةِ التقليديةِ وكذلك للوقايةِ من هبوبِ الرمال في المناطق الصحراوية، والبيت العربي يبدو لمن ينظر اليه من الخارج صارم المنظر في حين ان النشاطات داخل المبنى تجرى ضمن فناء داخلي تحيط به الغرف كليا او جزئيا، وهذا ما ينطبق بشكل كلي على بيت الغشام، فبعد المدخل الشرقي للبيت يتضح الفناء الواسع الذي يضفي عليه انشراحا وجمالا.

ويكمن هذا المفهوم والوظيفة للإنشاء السكني في جوهر تصميم المباني المحلية والفن المعماري في الجزيرة العربية، أما المباني التي لها وظيفة محددة فتشمل النزل المسورة والإنشاءات المحصنة التي كثيرا ما تكون مؤلفة من اسوار عالية وابراج تحيط بأرض خلاء وكذلك المساجدُ بايواناتها ذات الاعمدة وساحاتها المسقوفة او المقنطرة والمفتوحة في احد جوانبها.

يضيف النعماني: التقطنا صوراً فوتوغرافيةً مركزةً على جميع غرفِ المبنى وماتحتويه كلُّ غرفة من (روازن)، ومفردها روزنة، وهي عبارة عن كوة، نافذة هلالية صغيرة مغلقة من الخارج، وهي بمثابة الشكل الداخلي المجوف الذي توضع فيه آنية المنزل وما يستخدم تُحفةً او زينة، سواء كانت مزخرفة، أو بدونها، وذلك كي نحدد نوع وعدد التحف والمقتنيات التي يستحسن وضعها في كل موقع، فتجهيز البيوت ليس كتجهيز الحصون والقلاع وإن كانت تتفق في كثير من الاحيان في استخدام الانية والاسلحة بمختلف انواعها.

وبشكلٍ عام فإن الزخرفة عادة – بصرف النظر عن المدخل الوحيد – فهي تقتصر على الجزء الداخلي من البناء إذ أن الجزء المسور والساحة أو الساحات التي غالبا ما تتميز بوجود رواق مسقوف أو مقنطر وكذلك غرف الاستقبال الرئيسية يمكن أن تكون مزخرفة بالأفاريز وأشكال الجص المصبوب والبلاط والسقوف المطلية وتظل تفاصيل الزخرفة المعمارية والفنية شأنا يخص أهل البيت دون غيرهم.

وبعد حصر جميع تلك الروازن وتحديد نوعية التحف التي يمكن وضعها في تلك الامكنة حتى تعبر عن جماليات البيت العماني، تطلعنا بداية إلى ما يحتفظ به المهتمون من تراث البلاد من خلال زيارتنا لأغلب ولايات السلطنة وللمتاحف الشخصية، فوجدنا إهتماما كبيراً للحفاظ على ما تبقى من تراث واستمعنا إلى حكايات جميلة حملت إعتزازاً بالموروثِ الثقافي وتفاؤلا بأي مشروع حضاري يعنى بهذا الجانب مفعما بالرغبة الأكيدة للمساهمة فيه قدر استطاعتهم، وفي نفس الوقت لم نستطع إقناعَ أغلبهم بشراء مقتنياتهم أو حتى وضعها مختومة بأسمائِهم بالمتحف، فهم ايضاً يتطلعون لعمل متاحف خاصة بهم، ويعتبرون كل قطعة تحفة نفيسة لا تُقدر بثمن يرفضون المساومة عليها، مع اننا خسرنا استقطاب مقتنياتهم التراثية ولكننا ربحنا أصدقاءَ لهم نفس اهتمامنا، مما يزيدنا رغبة لايجاد شبكة معلوماتية تجمعهم كي يتم التواصل واللقاء وتبادل التحف وكتابة تاريخها وكأنهم تحت سقف واحد.

وحول جهود البحث عن التحف والمقتنيات الاثرية يتحدث مدير بيت الغشام: توجهنا أيضاً إلى الأسواق التقليدية، ولعل سوق نزوى كان وجهتنا الأولى باعتباره سوقا مركزيا للقادمين من مختلف ولايات السلطنة  يحمل الكثير من أسرار هذه التحف التي تَفِدُ اليه من كل صوب بين بائع يبحث عن مبلغ مجزٍ ومشترٍ يبحث عن تحفة تاريخية لا يعرف قيمتها أحدٌ الا هوَ، فقد فُـقِـدت اكثرها – كما يؤكدون –  من خلال الأفواج السياحية الذين كانوا يشترون كل ما هو قديم دون فِصَالٍ في الثمن، فبيعت أثمنُ المقتنياتِ بأبخسِ الأثمانِ لاسيما الاسلحةُ القديمةُ والسيوفُ والبنادقُ وكذلك المقتنياتُ المنزليةُ كالمناديسِ والأوانيِ النحاسيةِ، أما ما بقي بأيديهم فقد رفض اكثرهم بيعه، وقالوا :جئت متاخرا، ولذلك لم نحصل على بغيتنا، فكان التفكير بأسواقٍ أخرى.

ذهبنا الى زنجبار حيث أسواقُها القديمةُ المتوزعةُ بين حاراتِ وأزقةِ المدينةِ الحجرية، وحيث التاريخ المشترك فكان الذي يهمنا ما كان استخداما عمانيا خالصا نقل من السلطنة الى هناك، ولم تكن اسواق زنجبار فقط محط اهتمامنا فقد زرنا أسواقا كثيرة في افريقيا بشكل خاص ووجدنا حصيلة طيبة بمساعدة سكانها من الأصول العمانية بشكل خاص.

  تحفة معمارية

تجدر الاشارة الى ان بيت الغشام  يعد أحد المعالم الأثرية وتحفة معمارية بولاية وادي المعاول. يقع هذا البيت في قرية الشلّي ببلدة أفي وهو منزل السيد محمد بن احمد بن ناصر الغشّام البوسعيدي، وسُمّي البيت بالغشام نسبة إلى صاحبه السيد محمد الذي كان يُعرف بهذا اللقب، والسيد محمد بن أحمد الغشام أحد وزراء السلطان تيمور بن فيصل وواليه على مطرح، وقد كان يسكن هو وعائلته في هذا المنزل.

ولكبار السن قصص وأحداث معه تبيّن تواضعه وترابطه مع الناس، وقد سكن فيه أيضاً صاحب السمو السيد أسعد بن طارق بن تيمور وصاحب السمو السيد طلال بن طارق بن تيمور وأختهما صاحبة السمو السيدة نوال، وذلك عندما كانوا يأتون لقضاء الإجازة مع جدهم السيد احمد بن هلال.

والبيت مصمم على الطراز والفن المعماري العماني ويحوي العديد من الغرف بالإضافة إلى الصباح والسبلة وبعض الغرف المحصنة وواحدة للاختباء بالإضافة إلى أبراج المراقبة والحوش الكبير والبئر وأماكن تخزين التمور.

وحسب المصادر التاريخية وبناء على التنقيبات الأثرية وتتبع المكونات الرئيسية بالبيت والبحث والتحري في النقوشات والشواهد الموجودة بالكتابات الجدارية والنقوش على النوافذ والأبواب فإن فترة بنائه ترجع إلى عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي – أي ان عمر البيت تتجاوز 200 عام تقريبا –  وشملت اعمال الترميم قصبة البيت الرئيسية والمداخل والمجالس والمخازن والمرافق الخاصة بالبيت ومرابط الخيول والبئر بالإضافة إلى الساحة الداخلية والسور المحيط بها وبعض أعمال التجميل.

يتكون البيت من دورين بالنسبة للقصبة وبها سبع غرف علوية وبعضا لمداخل والأدراج التي تؤدي إليها أما بالنسبة للدور الأرضي للقصبة فيتكون من مخازن التمور وبعض غرف الخدمات.

هناك أيضا بعض الغرف الأخرى في الجهة الشرقية ومرتبطة بالقصبة وأيضا يحتوي على مجلس للرجال بالإضافة إلى المدخل الرئيسي وما يميز هذا البيت وجود مدخل آخر للنساء بالإضافة إلى وجود مصلى بداخله خاص بالنساء.

يبلغ طول البيت 40 مترا وعرضه 30 مترا وهو الجزء الذي تم ترميمه ومجموع الغرف بداخله حوالي 15 غرفة، وروعي في ترميمه استخدام نفس المواد التقليدية القديمة المستخدمة سابقا وهي “الطين، الصاروج العماني، الجص العماني، الحجارة الجبلية المسطحة” وقد أعيد تسقيفه بنفس الآلية السابقة حيث استخدم أخشاب الكندل والدعون والبامبو وقد روعي في أعمال الترميم أسلوب المحافظة على بعض النقوش الجصية الموجودة سابقا بالإضافة إلى ترميم الأبواب القديمة وبالأخص الباب الرئيس كما تم إدخال نظام التكييف والكهرباء مع مراعاة الخصوصية في أثرية البيت.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق