أخبار اللبان

فتحية الصقري تكتب يومياتها في “بريد متأخر”

تقدم الشاعرة فتحية الصقري يومياتها عبر إصدارها الجديد “بريد متأخر” الصادر عن دار لبان للنشر، وأهدته “إلى أصدقائي دائما، الذين ساعدون على الهروب والتحليق”، مفتتحة كتابها بـ”أشياء صغيرة لا ترى”” لا أحد يعرف، حتى هذه اللحظة، سرَّ احتفائك الدائم بالحياة، ضحكتك المخلوقة من ضلع الصباح، جانبك المضيء، علاقتك الوطيدة بالألوان الربيعية، تمسُّكك بالصور المَرِحة، راقصةً ومختالة في أعماق أعماقك، وأنت خارج البيت، لا أحد يعرف قوة توازنك، مِن أين تنبع؟ ونشاط الانزلاقات في طبقات روحك ثابت بين متوسط وعالٍ”.

تأتي نصوص الكتاب بهوية رسائل تبعثها المؤلفة إلى كائن لا تسمّيه، ترسمه من خلال كلماتها، وكأنها تخبره عن أفكارها ورؤاها تجاه الكثير مما يدور في فلكها ككاتبة تواجه العالم بالكلمة، وقد تكون ذاتها، وهي تواجه “كوابيس المبدع”، تخاطب الذات الأخرى، مفصحة عن مكبوتات تبدو شخصية: ” تحاول أن تكون طبيعيًا، كائنًا بشريًا عاديًا، يثرثر عن أيّ شيء، ويسمع كلَّ شيء، يضع كل العلاقات تحت مسمَّى واحد، لا يفرِّق بين من يحب، وبين من يتعامل معهم لإنجاز مهمة ما تخص العمل، أو تخص مناسبة سعيدة يحتفي بها، يضعُ الجميع في خانةٍ واحدة، يوزِّع محبته بالتساوي، يتدخل في شؤون الناس الخاصة، ويتناقل الإشاعات، ورسائل الجمعة، وأخبار الموت والزواج والولادة التي تحدث في العالم، ويتداول صور المناسبات الاجتماعية، والحياة الخاصة، وآخر صراعات المظاهر، ومسابقات الألقاب، عبر جروبات الواتس آب، ومواقع التواصل”.

وتقترب من اليومي والاعتيادي لتعبّر عنها من خلال مقاربات تبدو جليّة أكثر: من واقع تعاملاتك اليومية لتوفير أمنك المعيشي البسيط، سارق استقرار قلقك وطمأنينة حروبك، ترعبك مهارةُ المقلِّدين، يرعبك هذا التلصُّص، والقنص العلني الخطير المنتشر بقوة في كل مكان، العصيّ على الرقابة، والضبط، المتنامي، المتمدِّد بحرية في بيئة خصبة محميَّة، لا تمتد إليه يد، ولا تلتفت إليه عين، يرعبك التقليد الأعمى، يرعبك النسخ واللصق، يُرعبك صمت المقلِّد، وهواياته، وعمله المتقن، تُرعبك مقدرةُ السيِّئين والبليدين والفارغين على الصعود السريع، يُرعبك طمس روح الفاعل الحقيقي، بدمٍ بارد، تُرعبك خططُ الصيادين الكسالى، يرعبك التجاهلُ المقصود لمجوهرات الذات، يُرعبك عجزُك عن فعل شيء، عن تغيير شيء، غير نشر مقولة “نيقولاي غوغول”: “إن بعضَ الناسِ يعيشون في هذا الوجود، لا كشخصيات مستقلة قائمة بذاتها، بل كالبُقع واللطخ على شخصيات الآخرين”، أو مقولة “هيرمان ميلفيل”: “من الأفضل أن تفشل في الإبداع، على أن تنجح في التقليد” على حسابك في الإنستجرام، مرفقًا بلوحة فنية

وتحت عنوان ” لأنَّ العالم سينتهي” ترصد جانيا من “الذين يعيشون في بيت واحد، الذين يعيشون في بلد واحد، الذين يضربون رؤوس بعضهم بالمطارق”، تقول أن “علينا أن نتعلم العيش معًا كإخوة”، لأن العالم سينتهي. وترى أنه “لم يعد بإمكان عشَّاق العزلة اليوم أن يخلصوا في محبَّتهم لها، لم يعد بإمكانهم منحها اهتمامهم الكامل؛ لأنهم مُعرَّضون للنهب، في كل وقت، مُعرَّضون للسرقة، لم يعد بإمكانهم اللعب والضحك مع الصمت والغياب كما كانوا يفعلون”.

ترسم الكاتبة فتحية الصقري يومياتها تحتى 18 عنوانا ضمها “بريد متأخر”، وتأتي العناوين بدءا من “أشياءٌ صغيرة لا تُرى” وتتابع بعد ذلك: كوابيس المُبدع، من أين يأتي كل هذا الغبار؟، لأنَّ العالم سينتهي، بريدٌ متأخر، بارانويا الذات المريضة، هل تُراودك فكرة إنقاذ العالم؟، التدمير الخلّاق، الخراب بابتسامة عريضة، بيت الغواية والأكاذيب، لأنَّ الذي لا يحسُّ سعيدٌ دائمًا، هل يمكنني العودة إلى أواخر أكتوبر؟، أُحَدِّق في الشاشة الكبيرة للعالم، وأكلِّم نفسي، إلى أين نمضي؟، وداعًا لعنتريَّات السيِّدة ميم، من أجل لا شيء تقريبًا، عُمان: جماليّات الإنسان والمكان، و.. قُبلة جديدة على جبين رجل نائم: “كنتَ جميًلا عاشقًا للحياة والألوان، مهتمًّا بالبهجة، وخلْق الأجواء المرِحة، كنتَ ضدَّ الأسود دائمًا، ضد التشدُّد، ودودًا كريمًا عطوفًا، كوَّنتَ صداقاتٍ كثيرةً مع عمانيين وعرب وأجانب، من مختلف الجنسيات، تتحدَّث الإنجليزية والهندية، بطلاقة، أتذكَّر أصدقاء العائلة جيِّدًا، تفاصيلَ الزيارات، ورحلات الاستكشاف في الطبيعة، أذكر منهم السيد براون الإنجليزي الجميل الذي قال مرَّة: أنْ تشتري ساعة بدولارين، أو ساعةً بألف دولار، ستعطيك نفس الوقت بالضبط، حالها حال السيارة العادية، والسيارة الفخمة، ستوصلانك للمكان نفسه” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق