مقالات

شهود النبوءات

حسن المطروشي

كان أجدادنا وكبار السن يقولون لنا ـ فيما يشبه النبوءة ـ أن الحديد سينطق، وأن الزمن سيقصر حتى يصبح العام شهرا والشهر أسبوعا والأسبوع يوما واليوم ساعة!

حينما أتى العائدون من الأسفار في مطلع السبعينيات، ومعهم «الرادو» المذياع، وأخذ الناس يستمعون فيه إلى الأخبار والموسيقى، ويتابعون مجريات العالم من حولهم، تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك بأن نبوءاتهم بدأت تتحقق .. وكل ذلك مؤشرات على اقتراب نهاية الوجود وقيام الساعة!

ما تبقى من ذلك الجيل بات اليوم شاهدا على هذه التحولات الهائلة التي عصفت بالإنسان وغيرت ملامح حياتنا عقبا على رأس. ذاته الشخص الذي كان يقضى الأشهر في مواسم الغوص على ظهر السفينة أو في أعماق المحيطات، دون أن يعرف أي شيء عن أحوال أسرته، حتى يعود إلى بيته في مواسم «القفّال» . أو ذاك البدوي المترحل الذي كان يتنقل بخيامه عبر القفار مع إبله وأغنامه، أصبح اليوم يتابع الحدث مباشرة على شاشات الفضائيات، بل وحتى على مواقع التواصل الاجتماعي التي اندلقت علينا من كل صوب مع اندلاع الثورة التكنولوجية المرعبة.
ذهب الأجداد، وبقينا شهود النبوءات والهزائم، نتعايش مع واقع لم نألفه من قبل، فقد نطق الحديد، وتضاءل الزمن، إلى أقصر بكثير مما تخيلوه ذات يوم. ها نحن نعيش أسرى الضجيج ولمعان الصورة الزائفة وطغيان المادة وانحسار الروح وتصحر المشاعر، في ظل الهجوم العنيف لأشباح التكنولوجيا والمدينة الحديثة، التي توغلت في مفاصل حياتنا لتحيلها إلى زنزانات انفرادية قاسية وعزلات ظلامية هائلة، مسكونة بالخوف والقلق وصراع الآدمي بشراسة لم نعهدها إلا في قصص الجن والحيتان التي كان يرويها لنا الغواصون قديما.
*****

سأخرُجُ في الليلة الباردةْ

سأسألُ:
كيف تشقُّ الجنازةُ خطوَتَها في الزحامِ،
وتضْبطُ إيقاعَها حسْبَ أنظمةِ السيرِ واللافتاتِ؟
وكيف سينجبُ هذا الصدى نجمةً .. نجمةً واحدةْ؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق