الفني

الدراما العمانية: مأزق الحضور وأزمة الغياب

كل عام عندما يقبل شهر رمضان يتجدد الحديث حول الدراماالعمانية بالأخص، التي تمر بظروف سيئة كما يردد كثيرون، في مقدمتهم فنانون ممارسون للعمل الدرامي. سبب السوء في نظر العاملين والذين هم على تماس مباشر مع الدراما هو عدم وجود دعم لا مادي ولا معنوي كما أشار أحد الفنانين في جلسة عامة حضرها كثر.
أحدهم وبعد مجازفات إنتاجية متعددة، وجه أصابع التهمة للفنان نفسه، وقال بأنه سبب تردي الوضع الدرامي (العُماني) أن هذا الفنان يظل يطلب دعما حكوميا ولا يقوم هو بذاته بالعمل منفردا ومغامرا في هذا المجال، وهذا طبعا يوافق بعض الشيء الرأي العام، رأي الناس والشارع، بأن سبب السوء والتردي هو الفنان نفسه، وهذا الفنان لم يعد الممثل وحده، بل امتد نقد الناس والشارع وسخطهم ليشمل جوانب العمل الدرامي الأخرى: القصة، التصوير، الإخراج، المؤثرات. مع أن أكثر ما ينتقده الناس هو القصص واللهجات والممثلين، لأنهم الواجهة التي يرونها دائما، مع أنه، وكما ذكر أحدهم، بأن الفنان العُماني وجد طريقه ممهدة في الخارج فنشط وبرز وأصبح نجما مثله مثل كثير من النجوم مثل الفنانين إبراهيم الزدجالي وفخرية خميس وغادة الزدجالية ووفاء البلوشية وغيرهم ممن ظل ظهوره مميزا في الأعمال الخليجية التي اشتركوا فيها.
إذن أين المشكلة حقا؟ هل هي مشكلة الممثل؟ هل هي مشكلة النص؟ هل هي مشكلة الإخراج؟ هل هي مشكلة الإنتاج والمنتج المنفذ بالتحديد؟
ولأن الحديث يمتد لشركات الإنتاج، تطرح تساؤلات من قبل: لماذا تبدو مكتفية بما يعطيها التلفزيون المحلي من مشاريع؟ لماذا لم تفكر أو لا تفكر في الخروج من المحلية للعربية؟ التهمة تمتد إلى هذه الشركات أيضا بأنها لا تسعى لإنتاج جيد مقارنة بما يمكن لها أن تفعل، لدرجة أنها ليست مستعدة للدفع، لا للممثل ولا للكاتب ولا للمخرج فدخلت بعضها في خصومات وصلت ساحات القضاء. وفي المقابل ومن باب اعتماد هذه الشركات على التلفزيون المحلي تبدو خياراتها ضيقة فترضى بأي شيء يفرضه هذا التلفزيون عليها
من الاتهامات التي يوجهها كثيرون: مسألة الرقابة، وبأنها سبب في التكرار وأيضا في عدم المصداقية لما يتم طرحه دراميا وعدم القدرة على الخوض في مناطق قد تبدو إشكالية في هذا المقام كيف للمسرح أن يذهب لتلك المناطق كما أشار إلى ذلك الدكتور عبد الكريم جواد مؤكدا على أنه خلال السنوات القليلة الماضية لم يتم منع نص واحد بسبب محتواه بل كانت هناك ملاحظات فنية فحسب.
وإذا كان الوضع بهذا السوء فما هي الحلول التي يمكن من خلالها إعادة الدراما لوهجها الذي كانت عليه في زمن ما؟ وأيضا إذا كان الوضع سيئا هكذا ألا يمكن أن يكون الوضع مماثلا في الدراما العربية؟ فمثلا ومنذ عدة سنوات هناك شكوى متصاعدة من سوء ما يقدم في مصر وسوريا والخليج، وبأنها لا تمثل إمكانيات الدراما العربية الحقيقية فلماذا نلوم الدراما العمانية إذا كان الوضع الدرامي العربي الذي سبق الإنتاج العُماني بسنوات طويلة جدا، يعاني السوء أيضا؟
السطور الآتية تحاول أن تقترب من هذا الأمر المتكرر سنويا…
استطلاع :هلال البادي

الثقافة هي الحل:
«ما سبق كلام مكرر وحفظناه» هكذا يبدأ الفنان صلاح عبيد حديثه، ثم يقفز بكلامه دون استرسال في بحث المشكلات بالإشارة إلى الحل من وجهة نظره حيث يقول: «من تجربة شخصية، حل مشكلة الدراما يرتكز فقط في المخرج، مخرج جيد ومحنك، نوافق على ما يريد، ونترك له حرية الاختيار»
أما الشاعر والفنان المسرحي والإعلامي أحمد الكلباني فإنه يشدد على الثقافة وبأنها هي ما يصنع حركة إبداعية درامية حيث يقول: « الدراما لا تصنعها الكاميرا ولا الفلوس، تصنعه الثقافة وسعة التفكير، وهذا لا يأتي بالهبل، بل يأتي بالاطلاع، بالتجريب، بالقراءة، بالتأمل في معاني الأشياء.
ويضيف: حينما نود أن نمنح قيمة لما نقدمه، يجب علينا أن نجد معنى لكل شيء. المعنى هو القيمة! في القلم، في الدفتر، في الكاميرا، في الرؤية، حتى في الخطأ! المعنى يمثل قيمة وإن حدث فسيحبه الجمهور، أما عديم المعنى وإن بدا بأحدث الأجهزة والتقنيات، فإنه إلى الهاوية»
مافيا الدراما:
الفنان زكريا الزدجالي بدا غاضبا وحزينا وهو يحاول تشريح معضلة الدراما في السلطنة، حيث قال بأن من (قتل) الدراما العمانية هم العاملون في الوسط الفني نفسه! مشيرا إلى وجود (مافيا) تشتغل تحت أسماء مستعارة في بعض مواقع التواصل والتي للأسف أصبحت مؤشرا للرأي العام، وهذا أمر مكشوف ومعروف منذ فترة طويلة ـ كما يرى الزدجالي ـ
ويواصل زكريا الزدجالي حديثه، فيقول في أمر الدعم: إن وجد الدعم المادي مثلا فهو شيء لا يذكر على الرغم من أنه أكثر مما كان عليه ولكنه دعم يشعرك بأن الهيئة تقدم لك صدقة، وهم ينظرون إلينا كمنتجين وكأننا عبء. ولا ينظرون إلينا كجهة تكمل عملهم.. أما الدعم المعنوي فهو لا يتجاوز الصفر بالمائة!
أما عن رأي الناس، فيقول زكريا بأن (الشارع) يتأثر بما يسمع، فالشارع يلوم الفنان نفسه لأنه يرى الفنانين والمنتجين يعيشون في صراع وحقد فيما بينهم. وهذا أوجد ثغرة لدى المسؤولين فقاموا برمي المشكلة على الفنان نفسه وعلى الشركات نفسها حتى وصل الأمر إلى الشارع. مؤكدا أن رجل الشارع البسيط لا يعرف أن عمر الإنتاج التلفزيوني لم يكن يوما ذاتيا، وإذا ما وجد الإنتاج الذاتي وهو حالة نادرة فسيكون حتما موقعا ومعتمدا ومضمون الشراء من قبل احدى القنوات.
وفيما يتعلق باللهجة يطرح الزدجالي رأيه فيقول: نعم تواجهنا مشاكل اللهجة وهذا أمر صحيح. يبقى المخرج سيد العمل وهو من يتحكم في كل شيء.
ويضيف الفنان زكريا الزدجالي: فيما يخص التأليف والتمثيل والإخراج وغيرها، فهذه المهن كانت كفيلة أن تكون اليوم صمام الأمان لدول الخليج كافة حيث العمل العماني كان ولا يزال ذا مضمون وهدف ولكن عشوائية الإنتاج والشللية وشح الإنتاج نفر كثير من المشتغلين في هذا المجال فتركوا الساحة لآخرين يذوقون من نفس الكأس وبشكل أكثر مرارة
وحول المنتج المنفذ يقول زكريا بأنه لم يقدم شيئا سيئا بالقدر الذي يروج له. مؤكدا أن كل المنتجين هم من أبناء التلفزيون وتعلموا من خبرة التلفزيون، التلفزيون نفسه يقدم أحيانا أعمالا مبتذلة ولا تستحق الإنتاج.
وعن الخروج من الإطار المحلي إلى الإطار العربي يقول زكريا الزدجالي بأنه «إذا لم يكن لديك سوق محلي لبضاعة فإن تعاطيك مع تلك البضاعة قليل ولن تكون لديك خبرة جيدة في المنافسة في السوق العربي، فما بالك إذا كانت بضاعتك معابة من زبائن محليين، من ساعتها سيشتري تلك البضاعة؟»
مضيفا بأن «الأساس القوي والمتين هو القاعدة الحقيقية للتسويق. وقد أخفق التلفزيون في تكوين تلك القاعدة فكيف بشركات إنتاج محلية تدار من قبل فنانين وليسوا مستثمرين؟ والحل كما يراه زكريا هو في كثافة الإنتاج دون توقف واختيار الشركات الصحيحة وإسناد المشاريع اليها والوقوف على أخطائها ومحاسبتها.
وفي هذا الشأن، شأن الشركات يشير زكريا إلى أن ما يعيب بعضها أنها تعاني من عقدة (الأنا) وهو في أي حال من الأحوال تلميع النجومية في حال التمثيل أو إثبات للوجود في حال الإخراج أو توفير في أحوال أخرى» مؤكدا أن هذا حق مشروع، ولكن المنتج الناضج يجب أن ينظر للموضوع نظرة فنية أكثر شمولية من الأنانية واقحام الذات. ويقول زكريا الزدجالي بأنه لو لم يكن المنتج صاحب مبدأ فبالطبع سيرضى بإنتاج أي عمل مقابل أن يقوم بتشغيل شركته، مشيرا إلى أنه اعتذر عن إنتاج عمل درامي، بسبب عدم رغبة المؤلف في إعادة النظر في نصه وتجويده، وقد قامت شركة إنتاج فنية أخرى بإنتاج ذلك العمل.
وعن الرقابة يرى الفنان زكريا الزدجالي بأنها في الوقت الراهن أخف عما كانت عليه من قبل بمراحل، ولكن بالطبع ما زالت هناك خطوط حمر من الصعب تجاوزها. مؤكدا أن الجمهور عامل من العوامل الرئيسية في الرقابة.
ثم يختتم حديثه بالإشارة إلى الدراما العربية وبأن سبب تراجعها يعود إلى عدم وجود مضمون، فهي استهلكت جميع أفكارها لذلك وقعت في فخ المط والنصوص المجوفة الخالية من الفكر والهدف.
الأطراف الأخرى:
محمد بن هلال السيابي واحد من المشتغلين في الدراما العمانية، تحدث إلينا وبدأ حديثه بالتأكيد على أن الاشتغال بالدراما وفي الدراما عمل تكاملي. لذا لا يمكن عند تناول شؤونها وشجونها إلقاء المسؤولية على طرف دون آخر أو تغليب جانب أو جزء منها تفضيلا أو انتقاصاً، ذلك أن الدراما تعتمد على ثلاثة أضلاع هي: الكاتب والمخرج والممثل» وكما يبدو هم الأساس في الفعل الدرامي
ويسترسل في الحديث بالقول: إلا أن أطرافاً أخرى باتت ذات أهمية ولابد من فرد مساحات تتناسب مع تأثيرها سلباً وإيجاباً.
وهذه الأطراف كما يراها محمد بن هلال السيابي هي: الممول الجمهور النقاد. مضيفا بالقول: أستطيع أن أتجرأ بالقول إن ما طرأ من وسائل حديثة التصقت أو أُلصقت عنوة بهذا الفعل والاشتغال في شقيه المسرح والدراما نافست ما يقدم وأثّرت بشكل مباشر على ما يُقدم بمنأى عن التقليدية في التناول والطرح والنقد الذي هو الأقرب للواقعية من خلال الوسائل المعتادة «صحف وكتب» أو «ورق و قلم» فما تزخر به وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة بعد الشبكة العنكبوتية وكونها متاحة لمختلف التوجهات والمزاجيات والأهواء والولاءات  والأعمار، ناهيك عن دخول أي كان للتصدي وتناول ما يخطر في رغبة كل أولئك للكتابة حول ما شاهدوا أو سمعوا – لا سيما الأسماء المستعارة أو الوهمية – تؤدي إلى السير بما يتم تناوله إلى مسارات متطرفة بعيداً عن الواقعية ليؤدي كل ذلك من وجهة نظري إلى الولوج في مناطق لا تعكس طبيعة ذلك الاشتغال ليفرز لنا ذلك هبوط فيما يقدم، وعدم اهتمام بالمضمون، وإمكانية رفع المتدني وتنزيل الجيد، وتقديم أعمال بأقل الإمكانات مع إمكانية النجاح، إضافة إلى عدم ضمان تحقيق النجاح رغم البذخ في الصرف.
ويقول الفنان محمد بن هلال السيابي للتأكيد على فكرته: بالتالي لا الدعم المادي ولا الدعم المتنوع الآخر ولا الاحتواء ولا التبني ولا التشجيع تكون عوامل نجاح، فالمقاييس قد تغيرت والمفاهيم تبدلت، وما كنا نشاهده في شاشة واحدة بإمكاننا التحكم فيها، أضحى متاحاً أن يقدم بوسائل رخيصة وبسيطة ومتاحة أكثر.
لا نملك ممثلين مؤهلين:
إبراهيم الصلتي أحد الناس الذين يتابعون الدراما في رمضان وفي غير رمضان، يؤكد أن هناك أسبابا أدت إلى فشل الدراما العمانية كما يرى، فهناك «المسؤول الذي فرض سلطته ليتدخل في أمور فنية وتقنية هو لا يفهم فيها شيئا ليفسد بذلك التدخل متعة العمل الدرامي، إلى النصوص السطحية التي تقدم معالجة أصبحت غير موجودة وغير مستشعرة من قبل المجتمع بل إن هذه النصوص حاولت أن تحاكي قضايا وهموم ومشاكل مجتمعات أخرى وإسقاطها على المجتمع العُماني.
ويواصل حديثه ليتطرق إلى الممثل فيقول: نحن لا نملك ممثلين قادرين ومؤهلين للعمل الدرامي وهذا الأمر يتبين من خلال أعمال كثيرة قدمت على مدار السنوات الماضية بدون أن تعطينا ممثلا واحدا يستطيع أن يقنع مشاهدا واحدا.
المسألة مشتركة
«الدراما العمانية ظلت الطريق ودخلت في متاهة لم نعد نحن كمشاهدين قادرين أن نميز على من نلقي اللوم: الممثل أم المخرجأم شركات الإنتاج أم النصوص والقصص المكتوبة؟ لأن ما نراه مجموعة من الحلقات المفقودة بسبب الأطراف المذكورة أعلاه،لكن أيهما يؤدي إلى الآخر؟أعتقد أن المسألة مشتركة» هكذا يحلل حمدان البادي إشكالية الدراما في السلطنة، ثم يواصل فيقول: العودة إلى نقطة بداية ليس صعبا في ظل وجود كتاب قادرين على تقديم نصوص ممتازة متى ما وجدوا العائد المادي الذي يوازي كتابة ٣٠ حلقة وأيضا وجود وجوه شابة من الجنسين تفرزهم الفرق المسرحية قادرين على التمثيل وتقمص الأدوار بعيدا عن الوجوه -النجوم- الذين يكررون أنفسهم في كل عمل درامي يقدم.
ويضيف حمدان القول: تبقى هناك إشكالية المخرج المبدع القادر على تقديم رؤيته الخاصة على النص وهنا لا أجد أي مشكلة في الاستعانة بأسماء من خارج السلطنة.
يستدرك حمدان حديثه بتذكر مشاكل أخرى فيقول: المشكلة الأخرى وهي الرئيسية، شركات الإنتاج تلك التي تمتلك من الامكانيات ما يؤهلها لإنتاج مسلسل متكامل العناصر دون أن تلجأ إلى الترقيع من حيث الصوت والديكور والإضاءة والاكسوارات وغيرها، الشركة قادرة على خلق عالم متكامل وتقدمه للمشاهد بصورة تستقطب المشاهد أيا كان جنسه أو جنسيته، أما بالنسبة للميزانية فلا توجد أي مشكلة من وجهة نظري والأرقام الكبيرة التي شاهدناها في أخبار مجلس المناقصات خلال السنوات الماضية تؤكد أن المبالغ المرصودة تكفي لإنتاج عمل درامي مميز.
ويركز حديثه أكثر عن شركات الإنتاج فيقول: إن مشكلة شركات الإنتاج هي أنها تتبع كل من هب ودب وهي كثيرة وقليلة الإنتاج لدرجة أنه في كل بناية في مسقط توجد شركة، لكن السؤال الأهم من هم أصحابها؟ وما الهدف منها؟ بعضهايتخصص في تنظيم وإدارة الفعاليات.
ويختتم حمدان البادي حديثه قائلا: إن الحديث عن الدراما العمانية يجب ألا ينسينا أن ما يبث يتم بثه في سوق تنافسي مفتوح فإن لم نكن قادرين على استقطاب المشاهد غير العماني فبالتأكيد نسبة المشاهدة من العماني ستكون قليله كذاك،كما أن هناك نقطة مهمة يجب أن يدركها المشاهد، هي: أن الاعمال الدرامية ليست بالضرورة تكون مستمدة من أحداث في الواقع وإن تشابهت،إنما هو عالم مختلق بدأ كفكرة في ذهن الكاتب وقام المخرج بتحريكها واستنطاقها عبر الشاشة ويجب أن نتعامل معها على هذا الأساس لا أن نحاول إسقاطها على حياتنا اليومية.

نشر الاستطلاع في العدد (10) من مجلة التكوين…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق