العام

مراجيح …لعيدك

—————————
حمود بن سالم السيابي
—————————
جئتُ أسْتَبِقُ عيدَ الأمِّ لأقبِّل رأسكِ دون أن أعرفَ أن “كورونا” يطيلُ المسافات بين بوابة المطار وعينيكِ ، فعَليَّ أنْ أدَّرِعَ الصَّبْرَ لأسبوعين بطول الدهر كله قبل أن أصل إلى حيث تشرقُ ابتسامتكِ فأجثو على قدميكِ.
وفرَرْتُ إليكِ من قدر الله إلى قدر الله ، إلَّا أنَّ كورونا الذي اعتقل هامبورج هو ذاته الذي أنزل خطباء الجمعة من المنابر في عُمان وأوصد أبواب المساجد ، فلا أنا هناك لأصلِّي الجمعة ولا أنا هنا لأرفع كفَّيَّ بين الخطبتين لأدعو لك بطول العمر.
وفي كل مرة أزمُّ فيها الظعائن كان وجهُكِ الباكي دعاءَ السفر ، وكانت ديمةُ أهدابك مرفأَ الوصول ، إلا هذه المرة ف”كورونا” يقحمُ نفسه في تفاصيلنا لتتباعدَ المسافات وتتقطَّعُ السُّبُلُ وتتداخلُ بواباتُ المغادرة والوصول.
أعودُ إليكِ عشيَّة عيد الأمِّ هذه المرة من حيث التوقيت رغم أن الاصطباح بوجهكِ هو العيد ، والعودة إليكِ بعد كل سفر عيد الأعياد ، فتصدمني الفضائيات التي تنقلُ من مواقع الحدث السباق مع الموت فأستشعرُ الحاجة لعيد الأم أكثر من أي وقتٍ مضى لألوذ بوجهك لينتشلني من طوفان الشاشات فيلزمني “كورونا” البقاء في الحجر الصِّحي لتذبل زهورُ العيد في يديَّ وتنطفئ الشموع.
ولأوَّل مرة تتعبني الكيلومترات التي لا تتجاوز أصابع اليدين من المطار إلى عتبة البيت ربما لأنني قبل “كورونا” أسابق الفرح لأراكِ ، وفي هذا الفصل الكئيب يطول الطريق كما في لاميَّة المتنبي.
وكانتْ أحاديثُ الكيلومترات بعد كل عودة هي نفحات من “أسئلة الاشتياق وردود التعليل” إلا هذه المرة كان “الكورونا” يسيلُ موتاً من راديو السيارة فيهيمنُ على الأسئلة والردود ، فلم تعد غدور نخيل شارع السلطان قابوس هي لهفة العودة ، ولا الاطمئنان على تدرجها من “العنكزيز” إلى “الخلال” فرحة الوصول طالما أنكِ كأكرم النخيل وأطول النخيل وأجمل النخيل لن أشمَّ تراب قدميكِ إلا بعد أسبوعين.
ولأنَّ عيدَ الأمِّ نبلٌ إنسانيٌ لا يعنيني كتوقيت بل يفرحني كمناسبة وكموعد لتقبيل يديك فإن “كورونا” يتدخَّل هذا العيد في التوقيت وفي المناسبة ، لذا سأُبْقي على حقيبتي كما هي دون فتحٍ حتى انقضاء المهلة.
وسأُبْقي على هامبورج مرحلة سفرٍ ممتدٍّ وإنْ هوى ضابط الهجرة والجوازات بختم الوصول على جواز السفر ، إلى أن يصبح الطريق إلى تراب قدميك مفتوحا ، وبدلك أكون قد وصلْتُ.
وعندها يبدأ عيد الأم.
ويزهر الربيع.
وأعودُ لأتأمل من جديد النخل المصطف على الشوارع.
وأطمئن على عبور مرحلة “العنكزيز” ودخول “الخلال”.
ولأغزل حروف الشوق مراجيح لعيدك .
————————
مسقط في ٢١ مارس ٢٠٢٠م

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق