الثقافي

ديفيد سيتون.. رحالة زاروا عمان

تحظى كتابات المبعوثين السياسيين بذات الأهمية والقدر الذي تحظى به كتابات الرحالة، فإذا كان الرحالة يزورون المنطقة لأهداف متعددة، وغايات مختلفة، ولأسباب أحيانًا معلنة، نجد أن المبعوثين السياسيين يأتون وفق خطط مدروسة ولأجل أهداف وغايات محددة، ولهذا تكون كتاباتهم أكثر عمقًا ودقة، ولكنها تشوبها شائبة التوجه والفكر، لأنهم يأتون بفكر مسبق، ولأهداف واضحة، ولهذا نادرًا ما نجد في كتاباتهم مديح، إذ إن عيونهم لا ترى إلا النواقص، ولكن رغم ذلك تبقى كتاباتهم عن الجغرافيا والطبيعة والنبات والظروف المناخية ومواطن القبائل وأعداد أشجار النخيل ومصادر المياه العذبة ذات أهمية وقدر لا يمكن تجاهله.

د. علي عفيفي علي غازي
صحفي وأكاديمي مصري

يُعرف القليل عن ديفيد سيتون David Seton، قبل أن يُرشح من قبل حاكم بومباي؛ ليخلف الدكتور بوجل Bogle أول وكيل لشركة الهند الشرقية في مسقط، في بداية أكتوبر 1800، وقد أطراه حاكم بومباي بقوله: «إنه رجل مؤهل تأهيلا جيدًا جدًا لتأدية واجبات المقيمية، مع معرفته بالمنطقة واللغات، ولطافته وأخلاقه وخبرته في معرفة شخصية المواطنين بوجه عام». وبعد أن يزود سيتون بتعليمات تقضي بأن يتعاون مع وكلاء الشركة في كلٍ من بغداد والبصرة وبوشهر، يركب السفينة «جفرنر دنكان Governor Duncan» ويتجه إلى مسقط ليصلها في 2 ديسمبر 1800. ليعمل طوال السنوات الثماني التي قضاها في مسقط على إرساء قواعد النفوذ البريطاني في عمان.
يقوم سيتون بجولات في الخليج العربي ما بين 1800-1809. تبدأ في الأول من نوفمبر 1801، إذ يركب مع السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي، سلطان مسقط (1792-1804)، سفينة السلطان «جنجافة» في رحلته من مسقط إلى جزيرة البحرين. ويطوف بسواحل الخليج، ويدون مشاهداته، ويزور ساحل قطر. وتبدأ جولته من جزيرة مسقط، مرورًا بالسويدا، ثم صحار، موطن عائلة إمام مسقط، ويحكمها شقيقه قيس، ويُبحر إلى ساحل مكران، فيمر من أمام رأس مسندم، أو رؤوس الجبال كما يسميها العرب، الذين يعيشون على جوانبها، وهم من قبيلة الشحوح، ويلقي مرساه عند جزيرة لارك، ويبحر ليلا إلى بندر عباس، ويذكر أن هذا الميناء به منشات أوروبية مدمرة تابعة للبرتغاليين والهولنديين والإنجليز والفرنسيين. وفي اليوم التالي يرسو عند جزيرة قشم، التابعة لأمير عربي من قبيلة بني معين يدعى الشيخ عبدالله، كي يتزود بالماء. وينتقل إلى خصب، ويذكر أن أهلها من الشحوح والظواهر العرب، وجماعة من بقايا البرتغاليين يتحدثون لغة خليطًا من البرتغالية والفارسية. ويسافر إلى الرمس، أول مكان تابع للقواسم، وعند الظهيرة يمر بجزيرة طنب الكبرى، فيقول إنها جيدة للرسو وبها مياه عذبة وفيرة، وأراضيها قابلة للزراعة على عكس طنب الصغرى التي لا تتردد عليها السفن بسبب افتقارها للمياه. وبالمساء يمر مقابل لنجة وشناص على ساحل فارس، ويذكر أن كلا المكانين تحت سيطرة الشيخ صقر بن راشد القاسمي، حاكم رأس الخيمة (1777-1803)، ثم بلدة مغوه مقر قبيلة بني المرازيق، ويرسو مقابل جزيرة قيس، ويمر بهندرابي وشتوار وجزيرة الشيخ شعيب، التابعة للشيخ رحمة من قبيلة بني معين.
يذكر سيتون البحرين، أنها تتكون من ثلاث جزر كبيرة، وعدد من الجزر الصغيرة، مشيرًا إلى أن شيوخ العتوب كانوا في المحرق، لكنهم بعد مناوشات مع سلطان مسقط استسلموا وهاجروا إلى الزبارة على ساحل قطر، ويذكر أنهم مهاجرون من الكويت، جذبتهم التجارة إلى قطر، ثم يدفعهم الوهابيون لترك قطر والهجرة إلى البحرين. ثم ينتقلوا منها إلى الحويلة. يرسو سيتون في الثلاثين من نوفمبر تحت حصن الحويلة، ويذكر أنه الموقع الرئيس لمنطقة بر قطر، ويرجع إطلاق هذا الاسم عليه إلى انتشار الرمال الضحلة فيه، ويحدد موقعه على بعد حوالي 30 ميلا شرق الزبارة، ويصفه بأنه «حصن ضخم له ميناء جيد وفيه مياه عذبة، ويسكنه حوالي 700 رجلِ من المقاتلين، وكانوا يشتغلون في نهب العتوب عندما كانوا في البحرين، وهي ملجأ جميع قراصنة الخليج».
رسا سيتون في الثاني من ديسمبر عند البدع، ويقول إنها «خليج كبير مفتوح مليء بالجروف المرجانية…، والمكان الوحيد للنزول المباشر إلى الشاطئ يقع عند مدخل الوادي». وكان حاكمها من قبيلة السودان، في حرب مع الامام سلطان البوسعيدي، ويفكر السلطان في إرسال رجل إلى الشاطئ للتفاوض مع القبيلة، ولكن سيتون ينجح في إقناع السلطان بعدم جدوى التفاوض، وفي اليوم التالي يطلق السودان عليهم طلقات من مدفع كبير تسقط بالقرب من السفينة التي يستقلها. ويذكر أن الإمام والسفن الانجليزية، ومعهم الشيخ رحمة المعيني شيخ نخيلوه حاولوا إنزال الجنود الى ساحل الوكرة، لكن السيد تايلور قائد السفينة البريطانية وجد أن عمق المياه ضحل، فأقنع السلطان بعدم إمكانية القيام بأي شيء، فانسحب الإمام عائدًا إلى مسقط. ويًطلق سيتون على المنطقة من القطيف إلى رأس عشيرق مسمى «قطر»، ويذكر أنها قاحلة، ولولا توافر مغاصات اللؤلؤ التي تمتد بطول الساحل ما سكنها أحد، ويصل سيتون في الخامس من ديسمبر 1801جزيرة حالول، ويقول عنها إنها جزيرة كبيرة، مأهولة، ويقال إن فيها مناجم كبريت. وفي الطريق يذكر سيتون أنهم مروا على منطقة تُسمى الظفرة تابعة لقبيلة بني ياس، ثم تنتهي الرحلة بالعودة الى ميناء مسقط.
يُغادر سيتون مسقط في 2 مايو 1802 لاعتلال صحته، ويبقى في بومباي لمدة سنة يستعيد فيها صحته، حتى إذا ما نمى إلى علم حكومة بومباي أن الحكومة الفرنسية تنوي إرسال مبعوث لمسقط لإقامة محطة فرنسية بها، تبادر بإرساله إلى مسقط لاقناع السلطان بعدم استقبال المبعوث الفرنسي، فيصل مسقط في يونيو 1803، ويلتقي بالسلطان في شهر سبتمبر ويستطيع اقناعه بعدم استقبال المبعوث الفرنسي، ورفض إقامة محطة فرنسية في مسقط، ثم يغادر سيتون إلى بومباي في أكتوبر للاستشفاء، ولكن يتم استدعاؤه مرة أخرى إلى بومباي في فبراير 1805 للتشاور معه في موضوع مقتل السيد سلطان بن أحمد إمام عمان. وبتاريخ 3 مارس تصدر الأوامر له من حاكم بومباي بالعودة إلى مسقط لمزاولة عمله، ويُبحر من بومباي في 23 مارس، ليصل مشارف مسقط في منتصف أبريل، ويساعد سلطان مسقط في احتلال جمبرون (بندر عباس)، ويضرب جزيرة قشم بالمدافع، وفي 6 فبراير 1806 يوقع قول نامة أو اتفاقية مع شيخ القواسم، يتعهد فيها الأخير بالكف عن القرصنة وبألا يعتدي تابعوه على السفن البريطانية المبحرة في الخليج.
ينهي سيتون مهمته في الخليج في شهر مايو 1806 ويرحل إلى بومباي، وفي 8 يوليو 1806 يكلف بقيادة حملة بريطانية إلى البحر الأحمر لإلقاء القبض على السيد محمد بن عقيل، وتحطيم تحصيناته على جزيرة كمران في البحر الأحمر، ولكن ما إن علم السيد محمد بن عقيل بأمر الحملة إلا وهدم كل المباني التي بناها على الجزيرة، وفر إلى مسقط، فيرجع سيتون إلى بومباي وهو يعاني المرض.
يتعافى سيتون من مرضه في 17 أكتوبر 1807، فيركب بتكليف من حكومة بومباي السفينة الفرنسية «فيوري»، التي كانت قد استولت عليها حكومة الهند، ويصل مسقط في 13 نوفمبر، ويسلم السفينة للإمام، ولكنه ما إن يعود إلى بومباي في 3 يناير 1808 حتى يعلم أن حكومة بومباي لديها معلومات بأن الفرنسيين يحاولون إقامة قاعدة لهم في جمبرون على ساحل فارس، فيعود مرة أخرى إلى مسقط على متن السفينة «ألبيون» في العاشر من فبراير، ليلتقي بالإمام ويشرح له موقف الإنجليز من الوجود الفرنسي في الخليج، وفي نهاية مارس 1808 يرحل إلى بومباي، وفي شهر مايو ترسله حكومة بومباي في مهمة تجارية إلى السند، فيمكث أربعة أشهر، ويرجع ليجد في انتظاره خبر وفاة الليفانت واتس Watts مساعد المقيم في مسقط، فتطلب منه حكومة بومباي العودة إلى مقر عمله كمقيم في مسقط، فيصلها في 2 فبراير 1809، ويقابل سلطان مسقط، وأثناء فترة عمله يكتب سلسة تقارير لجون مالكوم يعرض فيها مشاركة حكومة مسقط في أي حملة ضد القواسم، ويحفز حكومة بومباي للتحرك ضدهم، وبينما تجرى الترتيبات على قدم وساق للحملة، على أن تتحرك في سبتمبر 1809، وأن يكون سيتون الضابط السياسي لها، لكن المنية لم تهمله ليرى صنيعه، إذ يشتد مرضه في شهر يوليو، وهو في مقر إقامته في «بركة» بسلطنة عمان، ويزوره الليفانت إيتول Eatwell، فيراه في حالة سيئة، فيحاول نقله إلى مسقط ليتلقى العلاج على يد جراح السفينة «كارولاين»، لكنه لم يتمكن من نقله، حيث وافته المنية في 2 أغسطس 1809، فيوارى الثرى في «بركة». وكانت وفاته خسارة كبيرة للحملة البريطانية، اذ يذكر حاكم عام الهند وحاكم بومباي أن وفاته قد حرمت الحملة البريطانية من كثير من المعلومات التي كانت ضرورية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق