العام

سعاد اللواتي: مازلنا نستخدم  نظريات قديمة في تربية الأطفال والناشئة

 

تعد المكرمة الدكتورة سعاد بنت سليمان اللواتي إحدى الوجوه النسائية البارزة، وهي نموذج مشرق للمرأة العمانية الناجحة. مسيرة حافلة من المثابرة في طلب العلم والبذل في خدمة الوطن على مختلف الأصعدة الثافية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، الأمر الذي أهلها لنيل الثقة السامية لصاحب الجلالة للدخول في مجلس الدولة، حيث انخبت لمنصب نائب رئيس المجلس.

(التكوين) حاورت الدكتورة سعاد اللواتية، وقلبت معها جوانب من صفحات الطفولة والذكريات في طلب العلم، وتجربة السفر، والعمل في أكثثر من موقع، إلى جانب الحديث حول رؤاها في كثير من القضيا الاجتماعية والفكرية التي تشكل اهتمامها.

 

حوار: حسن المطروشي

* حين نفتح ملف البدايات الأولى في سلم الحياة .. كيف تصف الدكتورة سعاد طفولتها، وذكرياتها القديمة، وطموحها وتطلعاتها المبكرة التي قادتها للنجاح؟

** تلقيت الاهتمام والرعاية من الوالدين وخاصة بأني كنت الطفلة الوحيدة لديهما إلى سن الخامسة من عمري، وكانت كنية والدى “أبو سعاد”. أحضر لي والدى الألعاب المختلفة والمتنوعة، كما كنت أستمتع باللعب مع الأطفال من سني خاصة الألعاب الشعبية. كنت أقضي كثيرا من وقتي في اللعب عندما كنت صغيرة، وكان ركوب الدراجة من أمتع هواياتي، وكذلك السباحة في البحر مع والدي، وعندما كبرت في العمر شغلتني القراءة والرسم وجمع الطوابع.

التوجه نحو التعلم كان نابعا من ذاتي وتشجيع من الوالدة ( رحمها الله) خاصة لأنها لم تستطع تكملة تعليمها في ذلك العصر بسبب العادات والتقاليد، فغرست فيّ وأخوتي حب العلم والتعليم، ومن خلال متابعتها المستمرة لي للذهاب إلى المدرسة بانتظام حتى في مرضي لم تكن تسمح لي بالغياب، وكانت تحثني دائما أن أتفوق في الدراسة وأحصل على المرتبة الأولى في الصف، وتحفيزها المستمر بالإضافة إلى وجود الدافعية الداخلية جعلني أتفوق في دراستي، فحصلت على المركز السابع على مستوى السلطنة في الإعدادية العامة. ومن أهم الذكريات الجميلة جدا … ذكريات رائعة لا تنسى، زيارة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظة الله للمدرسة. متابعة جلالته للمواطنين وأبنائه الطلبة، علمنا دروسا مهمة في الحياة  تتركز حول أهمية  التعلم والتعليم وغرس فينا القيم منها الإخلاص في العمل، والالتزام فيه، ومتابعة  المسؤول عنهم، ومعرفة احتياجاتهم وغيرها.. ومن الذكريات الرائعة أول مشاركة لي في مهرجان العيد الوطني مع المرشدات في العام الدراسي 1974 ـــ 1975م، كما أن أول مقابلة تلفزيونية لي كانت في برنامج “نحو حياة أفضل” في تلفزيون سلطنة عمان بعد تفوقي في الإعدادية العامة.

* ما هي مدارات اهتمامك ومرتكزاته منذ البداية، مما أسهم في بورة تجربتك العلمية والمعرفية لاحقا؟

** تركز اهتمامي على الإنسان منذ  الطفولة، فكان حلمي أن أصبح طبيبة أعالج الناس وأساعدهم، وحصلت على بعثة إلى الولايات المتحدة الامريكية لتكملة دراساتي  الجامعية الأولى في الطب فتخصصي في الثانوية كان علميا ودرجاتي كانت مرتفعة جدا، وشاءت الظروف الأسرية أن أكمل دراستي الجامعية الأولى في الأردن. ذهبت حينها إلي إحدى المكتبات في مسقط، واشتريت كتاب علم النفس لفاخر عاقل لأتثقف وأعرف المزيد عن علم النفس، وكيف تتم دراسة الإنسان من خلاله، وبصراحة لم أفهم الكثير حينها من الكتاب، ولكني أصررت على أن أتخصص فيه لاهتمامي بالإنسان، فالوالد كان يشجعني على دراسة الرياضيات والوالدة على الأدب الانجليزي. وأتذكر عندما كنا نسجل المواد في الجامعة الأردنية رفض موظف التسجيل في بادئ الأمر تسجيلي في كلية التربية لأنها كانت تقبل مجموعا متدنيا واقترح على كليات أخرى، ولكني أكدت له أنني واثقة من قرارى وتأكدت من أنني في التخصص الصحيح عندما حضرت المحاضرة الأولى لمدخل علم النفس. وكنت الأولى على دفعة كلية التربية في الجامعة الأردنية.

* ما هي قراءاتك؟ وكيف ترين علاقة مجتمعاتنا العربية بالقراءة؟ وهل من برامج يمكن أن تتبناها المؤسسات التربوية والتوجيهية لتنمية العادات القرائية لدى شبابنا؟

** قراءاتي متنوعة في مجال اللغة العربية وآدابها والشعر وعلم النفس والإرشاد النفسي والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع والآثار والفن التصويري وغيرها من العلوم المتنوعة. أرى أن مجتمعاتنا العربية بعيدة عن القراءة نوعا ما، فحب القراءة يغرس منذ مرحلة الطفولةعن طريق قراءة القصص للأطفال، وربط النوم ليلا مبكرا بقراءة القصة قبل النوم، فيتعود الطفل على القراءة وتصبح جزءا من نمط حياته، ويتعود على استثمار وقت الفراغ بالقراءة في كل وقت ومكان، ويتذوق الاستمتاع بالقراءة ولا يستطيع الاستغناء عنها. وهناك برامج كثيرة تستطيع المؤسسات التربوية تبنيها لغرس العادات القرائية لدى الأطفال والناشئة، منها حصة القراءة الحرة أو حصة المكتبة. وحث الطلبة على قراءة سلسلة من القصص المتدرجة في الصعوبة وكلما انتهى الطلبة من سلسلة يبدأون غيرها وبمستوى أعلى، أيضا تنظيم مسابقات “من يقرأ أكثر؟””وماذا نقرأ؟” و”كيف نقرأ” و”أين ومتى نقرأ” لغرس عادات القراءة فيهم أثناء وقت الفراغ ووقت الانتظار أوعند التنقل، ومقاهي القراءة وغيرها من البرامج المثرية.

* أنت متخصصة في مجال الإرشاد النفسي، خصوصا في الحقل التربوي، كما أنك دخلت الكثير من الدورات في مجال علم النفس … هل تتفقين بأننا في العالم العربي ما زلنا لم نستفد من علم النفس في مختلف الأصعدة في حياتنا؟ وما هي الأسباب من وجهة نظرك؟

** أتفق معك لم نستفد من علم النفس، فبالرغم من تطور علم النفس وبروز نظريات حديثة ومطورة، مازلنا نستخدم  نظريات قديمة كالنظرية السلوكية في تربية الأطفال والناشئة فيتعود الأطفال والناشئة على التعزيز بمختلف أشكالة والثواب والعقاب، فننشأ الشخصية المادية التي لا تعطي إلا أن تحصل على مقابل، رغم أن الدين الإسلامي يحثنا على التطوع وقضاء حاجات الآخرين. أما التربية باستخدام النظريات الأخرى وهي كثيرة تنشأ الشخصيات المحققة لذاتها، فمثلا النظرية الإنسانية تركز على تقبل الوالدين للطفل وتقديم الحب غير المشروط  له لتنمي الشخصية بمختلف جوانبها بطريقة صحية وتبنى القيم وتغرس بطريقة سليمة، كما ينمو الدافع الداخلى لدى الإنسان لينمو ويستثمر إمكاناته وقدراته بأقصى مداها ويحقق ذاته بترجمة تلك الإمكانات والقدرات إلى نتاج واقعي يستفيد منه المجتمع، فالمصلحة العامة أهم من المصلحة الفردية الشخصية، ويشارك بفاعلية في التنمية المستدامة وتقدم وازدهار الوطن. كما أننا لم نستفد من علم النفس في تنمية أنواع التفكير المتنوعة كالتفكير المنطقي والاستنتاجي وغيرها خاصة التفكير الابداعي والتفكير الابتكاري، فالتنمية البشرية هي أساس تنمية الاقتصاد في الدول في الوقت الحاضر، كما أن سوق العمل بحاجة إلي مبدعين ومبتكرين في مجالات العلوم والعمل المختلفة كالطب والصناعة والهندسة والزراعة والتجارة كريادة الأعمال. بالإضافة إلى العاملين في قطاعات الأعمال الأدائية فلابد من تغيير اتجاهات الشباب نحوها. كما اننا لم  ننم أنواع الذكاءات المختلفة لدى الأطفال والناشئة والشباب في مناهجنا الدراسية التعليمية على كافة المراحل، كالذكاء العقلي والذكاء الانفعالي والذكاء المهني. نسبة كبيرة من الذكاء العقلي تصل إلى 40% ينمو من خلال المؤثرات البيئية ضمن نسبة الذكاء التي حددتها الوراثة للفرد. كما أن الذكاء الانفعالي يساهم في نجاح الفرد في مجال الدراسة والعمل. وهناك مواضيع أخرى كثيرة منها نمط الحياة الصحي والصحة النفسية والشخصية الإيجابية والسعادة وغيرها من مواضيع تؤثر على حياتنا اليومية وتحقق لنا حياة أفضل. وقد يكون السبب في أن العالم العربي استفادته محدودة جدا من علم النفس، أنه لازالت العلوم العلمية أهم من العلوم الإنسانية، كما تفتقد العلوم الإنسانية إلى الهوية التخصيصة في العالم العربي.

* ما هي الخطط أو المشاريع الجديدة التي يعمل المجلس على بلورتها حاليا على مختلف الأصعدة؟

** يقوم مجلس الدولة بمراجعة القوانين المحولة له من مجلس الوزراء، واقتراح التشريعات أو تعديلها. كما يقوم بطرح المشاريع المتعلقة بتنوع مصادر الاقتصاد الوطني وتنميته وتطوير التعليم العام والتعليم العالي لإعداد قوى بشرية عمانية مؤهلة علميا وعمليا في المهارات والقيم وسمات الشخصية وأخلاقيات العمل والإابداع والابتكار وغيره، لتعمل في القطاعات المختلفة للعمل وتساهم في بناء عمان، وتشارك في التنمية المستدامة التي تشهدها السلطنة في العهد الزاهر بقيادة قائدها المفدى المعظم حفظه الله ورعاه. وهناك مواضيع أخرى ثل مواضيع الساعة، فالمرحلة القادمة مختلفة عن المراحل السابقة، ولابد من اتخاذ مزيد من الإجراءات التنفيذية الفعّالة وتراجع التشريعات المعيقة لتنويع مصادر الدخل خاصة في السياحة والصناعة وريادة الاعمال في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الاستثمار في السلطنة من خلال إقامة المشاريع الصناعية الكبرى لإيجاد مزيد من فرص العمل، ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود والتنسيق مابين القطاعات المختلفة العامة والخاصة.

* هناك الكثير من القضايا والمور التي تهم المرأة والمجتمع .. مالذي يمكنك تقديمه للمرأة من خلال وجودك في المجلس؟

** تشريف وفخر لي نيل الثقة السامية بتعييني في الفترة السادسة بمجلس الدولة،  وتشريف لي ثقة المكرمين والمكرمات أعضاء مجلس الدولة بي وانتخابي عن طريق الانتخاب الحر المباشر لمنصب نائب الرئيس وأشكرهم على ثقتهم بي وبكفاءتي في شغل منصب نائب وئيس مجلس الدولة.

ومما يجعلني أن اشعر بالفخر والاعتزاز أن كل ذلك أكّد أن الرجل العماني يتحلى بفكر ديمقراطي وموضوعي في تقييمه عند اتخاذه للقرارات، واختياره كان بناء على الكفاءة والجدارة، وبغض النظر عن العوامل الأخرى، وهذا ما شعرت به دائما عند عملي مع زملائي في مؤسسات الدولة العامة والخاصة في سلطنة عمان، فلقد شاركت خلال حياتي المهنية في  لجان ومجالس كثيرة ومتنوعة في الاختصاصات في القطاع الحكومي والخاص والمدني، فالرجل العماني ينظر إلى المرأة بكل تقدير ويعاملها باحترام فائق، ويساند ويدعم نموها المهني،  ويشجعهاعلى المشاركة  أسوة بزميلها الرجل ويتبنى قراراتها الصائبة ويضعها موضع التنفيذ. وأتمنى أن يفتح ذلك المجال للمرأة العمانية في المشاركة مع زميلها الرجل في مجلس الشورى في الانتخابات القادمة، فالمرأة تمثل نصف المجتمع ووجودها ومشاركتها ضرورية سواء في البرلمان أو المناصب القيادية العليا أو المتوسطة أو الدنيا أو مجالس الإدارة سواء في القطاع الخاص أو الحكومي أو المدني. فالرجل والمرأة مكملان لبعضهما البعض في طريقة تفكيرهما، إذ أكدت البحوث الحديثة بأنهما يستخدمان مناطق مختلفة من الدماغ أثناء التفكير وقدراتهما على التفكير مختلفة ومكملة لبعضهما البعض. ووجود المرأة بجانب الرجل سيكمل النظرة  الكلية لرؤية القضايا بشمولية وعمق والتعامل معها بالجودة المطلوبة لخدمة الصالح العام.

كما أن هناك مواضيع تهم المرأة بصفة خاصة، ففي الفترة  الرابعة لمجلس الدولة عند رئاستي للجنة الاجتماعية، قامت اللجنة بدراسة  تعزيز دور المرأة المعيلة في المجتمع، ووحاليا نقوم بدراسة دور جمعيات المرأة العمانية في تنمية المرأة العمانية، ومن المهم تطويرها لتقوم بدور فعّال في تنمية المرأة في جميع أنحاء عمان،  كما أن مراجعة قانون الانتخابات مهم لإيجاد مساحة أوسع لمشاركة المرأة في مجلس الشورى بجانب زميلها الرجل في المجال النيابي. إن خدمة الوطن ورد الجميل مهم جدا، فالمرأة هي نصف المجتمع ولابد من العطاء الفكرى في المجالات المختلفة كالاجتماعية والتربوية والاقتصادية والإعلامية والصحية والأمنية والسياسية وغيرها، حتى تكتمل منظومة العطاء ويتم الاستمرار في بناء الوطن.

* على المستوى الرياضي كان لك إسهام مع المنتخب لتنفيذ الجلسات التحفيزية للاعبين .. وددنا أن تحدثينا عن ذلك، وكيف تنظرين إلى الرياضة في السلطنة الآن؟

** من أهم الإنجازات العملية التي حققتها هي تنمية لاعبي المنتخب الوطني العماني لكرة القدم من جوانب عدة مما ساهم في وصولهم إلى الدور النهائي في خليجي 17.  واعتبر فترة خليجي 17 فترة مميزة من حياتي، طلب منى رسميا تقديم ورشة العمل لللاعبين لمدة أسبوعين لإعدادهم لمباريات خليجي 17، فجمعت المعلومات الضرورية عن العوامل التي تخفض أداءهم وتؤثرعليه، وبناء عليها تم إعداد ورشة العمل لتنمية ما كانوا يحتاجونه آن ذاك، منها على سبيل المثال وليس الحصر: العمل بروح الفريق الواحد، تنمية الدافعية الذاتية، تنمية التركيز، تنمية القدرة البصرية على المتابعة، تنمية القدرة على اتخاذ القرارات السريعة، تنمية سرعة البديهة، وتحمل الألم والتوافق معه عند الإصابة في الملعب، وتنمية الروح الوطنية. كما رافقت المنتحب إلى دولة قطر بهدف تحفيزهم والتعامل مع الصعوبات والمشكلات التي تواجههم وتؤثر عليهم في حياتهم اليومية، فلقد كنت أقدم لمن يحتاج الإرشاد الفردي لمساعدتهم تحقيق التركيز الأقصي في الملعب أثناء اللعب.

* نشر الحوار في العدد الثامن من مجلة التكوين

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق