العام

حُقِنَ بفيروس شلل الأطفال فأصيب به.. قصة مكافح استبدل بالقدمين العقل.

خميس بن سعيد بن خميس المسعودي .. نموذج صريح للإنسان المكافح الذي تمثل قصته انتصارا في الحياة. أصيب بشلل الأطفال مبكرا، ولم يقف على قدمية طيلة حياته. ولكن إرادته جعلته يستبدل الوقوف على القدمين بالوقوف على العقل والإرادة، بعد الاعتماد على الله. نشأ في أسرة بسيطة. واصل تعليمه رغم كل الصعوبات والمشقات المتتالية التي واجهها، حتى تخرج بدرجة الباكلريوس من جامعة السلطان قابوس في مجال القانون. وهو الآن يواصل دراسة الماجيستير في نفس المجال، ويعمل خبيرا قانونيا في الكلية التقنية بشناص، وقد تزوج وأنجب ابنتين ويعيش حياة مستقرة ناجحة بامتياز.

حقنة الشلل

يسرد خميس المسعودي قصته من البداية قائلا:  عندما كان عمري ٩ شهور فقط تلقيت حقنة تطعيم ضد مرض (شلل الأطفال)، وبعد أن وصلنا لمنزلنا لاحظ أهلي أنني لا أضع رجلي على الأرض عندما يحاولون جعلي واقفا، نعم.. عمري ليس عمر بداية المشي ولكن الأطفال في هذا السن يقفون على أرجلهم عندما يتم إسنادهم، وقد كنت كذلك.. ولكن بعد العودة من تلك الزيارة للحصول على التطعيم اختلف الوضع، فالرجل كانت (متعلقة) كما قد وصفوا لي ذلك المشهد، فورا استشعروا أن هناك مشكلة وعادوا بي إلى المركز الصحي، الذي بدوره نقلني فورا إلى مستشفى صحار.

أخبرهم الطبيب في مستشفى صحار أنني (مصاب بشلل الأطفال)، وسط ذهول وغضب من قبل عائلتي ودخولهم في مشادة مع الطبيب بسبب عدم تصديق ما حدث، كذلك فهم يحملون الأطباء مسؤولية ما حدث لي، فالأمور قبل تلك الإبرة ليست كما بعدها، ولكن الطبيب ينفي أن يكون ذلك بسبب الإبرة، تم نقلي بعدها إلى (مستشفى خولة) بمسقط لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. انتهت مرحلة الخطر ووجود الفيروس ولكن بقيت آثاره.

ويضيف المسعودي: إنني أعلم أن أي تطعيم ضد أي مرض يكون بحقن الفيروس المسبب للمرض مع بعض الاإضافات التي تقلل من قوته لكي يساعد الجسم على التغلب عليه وتكوين مناعة ضده؛ الآن النظرية واضحة: تم حقني بفيروس شلل الأطفال وأصبت بشلل الأطفال .. الأمر سهل ولا يحتاج لتفسيرات واجتهادات.

طفولة في المستشقيات

ويتابع خميس المسعودي: لا أذكر شيئا من سنوات عمري الأولى ولكن أخبروني أنها مضت في المستشفيات، فقد كانت هناك محاولات بذل فيها أهلي جهدا كبيرا، خصوصا أن أبي لم يكن يملك سيارة، ولم يكن موجودا طيلة أيام الأسبوع؛ فقد كان يعمل في أبوظبي بدولة الإمارات مما يفسر أن جزءا كبيرا من فترة علاجي كان في مستشفيات الإمارات مثل مستشفى (راشد) ومستشفى (المفرق)، كما أن جزءا آخر من العلاج كان في مستشفى صحار وهو الجزء الذي أذكره، إذ كانت هناك مواعيد للعلاج الطبيعي، كانت أمي تحملني على كتفها وتحمل في يدها كيسا يحتوي على جهاز تعويضي يشبه الحذاء من فردتين تم تفصيله بنفس مقاس رجلي (من أسفل الظهر إلى القدمين) ومكون من الحديد والجلد. كانت تمشي بي مسافة تزيد عن ٣٠٠ متر للوصول للشارع العام ومن ثم نتخطاه مرورا بالحاجز الحديدي ما بين الاتجاهين للوصول للجهة المقابلة من الشارع، وذلك للعثور على سيارة أجرة توصلنا لمستشفى صحار حيث أتلقى تمارين العلاج الطبيعي … ما بين سن الخامسة والسادسة أجريت لي عملية جراحية في مستشفى (خولة) لا أعلم ما الهدف منها وما هي نتائجها وهل كانت ناجحة أم لا.

لم تكن طفولتي تختلف كثيرا عن بقية الأطفال؛ فقد كنت ألعب مع أقراني من أطفال العائلة والجيران، أدركت مبكرا أن عدم قدرتي على المشي باستخدام رجلَيَّ لا يعني أنني عاجز عن الحركة.. يداي سليمتان وبإمكاني المشي بهما.

في المدرسة

عندما بلغت السادسة من العمر أصر أبي على تسجيلي في المدرسة وعدم إدخالي في مركز رعاية المعوقين، كانت هناك ضغوط من بعض الأشخاص في العائلة تعارض تسجيلي في المدرسة خوفا وشفقة علي حتى لا أتعرض للتعب والصعوبات وغيرها.. كانت شخصية أبي فولاذية وأصر على دخولي للمدرسة وكان رده على تلك الضغوطات أنه (محد بينفعه غير دراسته) .. رغم أنه لم يكن متعلما ولكن كانت نظرته للحياة حكيمة، كان لهذا الموقف أكبر تأثير في مسيرة حياتي .. نعم أنا سأدرس في المدرسة، وتم الاتفاق مع سائق الحافلة أن يتكفل بنقلي.

إصرار على الجامعة

ونمضي مع خميس المسعودي في قصته مضيفا: ها هي أمي تخبرني أن هناك أشخاصا في العائلة غير راضين عن مسألة دراستي في جامعة السلطان قابوس؛ فالمكان بعيد ولا توجد لدي وسيلة نقل ولا يوجد أحد من أبناء العائلة هناك للمساعدة ولا يعرفون لي مكاناً للسكن ..إلخ.

كان جوابي لأمي حازما بطرح ٤ أسئلة عليها:

ـ هؤلاء الذين لا يريدون مني الذهاب للدراسة .. هل سيصرفون علي؟

أمي: لا

ـ هل سيشترون لي سيارة؟

أمي: لا

ـ هل سيتكفلون بمصاريف زواجي؟

أمي: لا

ـ هل سيقومون ببناء منزل لي؟

أمي: لا

إذن دعوني أذهب.. سأدرس.

ثمرة الإرداة

ويختتم خميس المسعودي قصته قائلا: اليوم أنا أب لطفلتين وأعمل في وظيفة محترمة وأحظى باحترام كبير في جهة عملي، أقود سيارة محترمة، كما قد الحتقت بجامعة السلطان قابوس مجددا لاستكمال دراسة مرحلة الماجستير، شاركت مع بعض الزملاء من ذوي الإعاقة في تأسيس فريق لكرة السلة على الكراسي المتحركة هو الأول من نوعه على مستوى السلطنة، إذ لم يكن سابقا يوجد فريق سوى المنتخب الوطني. التحقت أيضا بالمنتخب الوطني لكرة السلة على الكراسي. احظى باحترام في محيطي المجتمعي والأسري ولي إسهامات في المجتمع من خلال الأعمال التطوعية؛ فقوة شخصيتي ودراستي للقانون أعطياني القدرة على اكتساب مهارة التحدث للجماهير وإلقاء المحاضرات، كما يتم استشارتي في كثير من الأحيان من قبل أقاربي وأصدقائي في بعض الأمور التي بها جانب قانوني، اكتسبت مهارة الكتابة والتعبير وهو ما يدفع البعض للتوجه إلي لكتابة الرسائل أو التقارير التي تخص شؤونهم الخاصة ومراجعاتهم في الجهات الرسمية..

تلك هي قصتي .. من مرض مميت أدى لإعاقتي إلى ما وصلت إليه الآن، ولازلت أطمح للمزيد. ذلك كله بتوفيق من الله وإرادة قوية مقاومة لليأس ووجود أصحاب الفضل الذين سخرهم الله لمساعدتي، ولتعلموا مدى أهمية التعليم وأهمية اتخاذ القرارات وتحدي العوائق، ولكي ندرك أن للإنسان قيمة يجب أن يدركها، ويقدر قيمة نفسه، فهي لا تقاس بقدراته الجسدية وإنما بما يقدمه من عطاء وما يصل إليه من إنجاز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصة كاملة تنشرها التكوين في عددها الورقي القادم، الذي يصدر مطلع شهر أكتوبر المقبل، بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق