مقالات

لُغتنا يفخر بها غيرُنا

د. أحمد عبدالملك

حديث وزيرة خارجية النمسا ( كارين كنايسل) من على منبر الأمم المتحدة باللغة العربية، دليل واضح على مدى احترام العالم لهذه اللغة العظيمة، وعدم تحرُّج الآخرين من التحدث بها، حتى في أدقِّ المواضيع وأكثرها حذرًا من الخطأ. وهذا يُثبت أن اللغة العربية حاضنة لكل الثقافات والألفاظ والدَلالات، وقابلة للتطور، ومهما اشتكى « أهلُها» من صعوبتها ونعتها بالجمود. وفي هذا المقام، نود التأكيد على ضرورة إعادة النظر في تدريس أبنائنا وبناتنا اللغة العربية، لأن الحاصل في هذه الأيام، أن طالب أو طالبة الجامعة لا يستطيعان أن يكتبا خمسة سطور دون أخطاء نحوية أو إملائية! وهذه مشكلة نواجهها اليوم عند العديد من الطلبة والطالبات، وإذا ما استمر الحال، كما هو عليه الآن، في التعليم التلقيني والحفظ، غير التطبيقي، سوف يتفاقم الأمر، خصوصًا مع استخدام النشء أدوات التواصل، وما فيها من لغات أجنبية، واختصارات وأخطاء إملائية. والأخطر من هذا، ان يلجأ بعض الناشئة إلى إصدار كتب دونما مراجعة، يتداولها أقرانهم، وهي مليئة بالأخطاء، الإملائية والنحوية، ويفردون لها مساحات على أدوات التواصل، التي يتابعها الملايين، وكذلك ظهور جيل من الإعلاميين، الذين يستَصعبون اللغة العربية، ولا يودُون تعلُّمها، ويفرضون (اللهجة المحلية) على المستمعين والمشاهدين، في الوقت الذي توجد فيه قرارات رسمية واضحة، تنصّ على ضرورة استخدام اللغة العربية في المعاملات والتعليم والإعلام. إزاء ذلك، لا بد من المبادرة لحماية هذه اللغة الجميلة، ومن كافة المؤسسات، لا المؤسسة التعليمية وحدها، ولا يكفي عقد مؤتمر واحد في العام، وتصدر عن توصيات لا يتم الالتفات إليها.
أعتقد أننا بحاجة إلى التالي:
1. تطوير منهج اللغة العربية، وتبسيطه للطلبة، مع استخدام وسائل التقنية الحديثة في ذلك.
2. إعادة النظر في أسلوب تدريس مادة اللغة العربية، والخروج على النمطية التي تُدرّس بها.
3. تعويد الطلبة على الكتابة الصحيحة وباستمرار، لأن خلق مهارة أو موهبة لدى الطلبة، لا تتأتى في المرحلة الجامعية فحسب، لأنها تكون متأخرة، بل يجب أن يكون ذلك في المراحل الأولى للتعليم.
4. عقد دورات تدريبية حديثة لمدرسي اللغة العربية، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في تعليم اللغة.
5. إشراك الطلبة في مناشط عملية للتعود على اللغة العربية، مثل: قيام وزارة التعليم والتعليم العالي بتوقيع مذكرات تفاهم مع المؤسسات الإعلامية الرصينة، التي تتعامل مع اللغة العربية، محليًا وخارجيًا، والسماح للطلبة بزيارة هذه المؤسسات، والتدرب على استخدام اللغة العربية.
6. إقامة مسابقات مُجزية، في مجال القصة، الرواية، الشعر، الخطابة، وتشجيع الطلبة على الاشتراك فيها، وأن تُحسب (درجات) للطلاب المشاركين والفائزين في هذه المسابقات، إلى جانب التقدير المادي.
7. توفير (الإذاعة المدرسية) بمهنية، في المدارس، وتشجيع الطلبة على تقديم فقرات فيها باللغة العربية، وأيضًا بث ما يكتبونه في هذه الإذاعة، بالإضافة إلى استضافة إعلاميين ناجحين للحديث مع الطلبة عن مشوارهم الإعلامي، مع اللغة العربية.
8. أخذ الطالب خارج الصف المدرسي، إلى مؤسسات الدولة، والمتنزهات، والأماكن التاريخية، وتكليفهم بكتابة تقارير حول تلك الزيارات باللغة العربية.
9. ولأن القرآن الكريم، خير حافظ للغة العربية، يمكن عمل مسابقات في تلاوة آيات القرآن الكريم، وعمل دورات لإعراب تلك الآيات، ليتعود الطلبة على الإتيان بشواهد نحوية من القرآن الكريم. كما كنا نفعل في كلية الآداب/ قسم اللغة العربية، أيام الدراسة الجامعية.
10. يمكن استخدام الأغاني، التي صيغت باللغة العربية الفصحى، كنهج البردة لأحمد شوقي، وبعض أغنيات أم كلثوم، وأشعار الفحول، ممن تم تلحين أغانيهم، وتعويد الطلبة على إعراب تلك الأشعار.
11. للأسرة دور مهم في تعويد النشء على استخدام اللغة العربية ولكن المشكلة تكمن، إذا كان الوالدان لا يُجيدان ولا يستحسنان اللغة العربية، ولا يستخدمانها!؟ في الوقت الذي يغضّان الطرف، عن تعَوّد أطفالهما على إدمان اللغة الإنجليزية، من خلال المربيات، أو الحضانات، أو المدارس الخاصة!؟ وهذا الأمر يحتاج إلى وعي مجتمعي شامل بأهمية استخدام اللغة العربية.
12. قيام المحطات التلفزيونية، الموجهة للأطفال، ببث مواد جاذبة باللغة العربية، لأن النسبة الكبرى من الأطفال – حسب التجرية – تنجذب وتدمن على المحطات الأجنبية، الناطقة بالإنجليزية، نظرًا لجودة الإنتاج، وبراعة التشويق فيه.
13. لقد كان لمسلسل (افتح ياسمسم) الذي انتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون، في السبعينيات، دور مهم في توصيل اللغة العربية للناشئة، وحبذا لو فكّر (أهل الإعلام ) في إنتاج مسلسل مشابهٍ له، مع تضمين المسلسل أدوات الإبهار والتشويق، بما يتناسب مع عقلية طفل اليوم.
وبعد، فإننا نلاحظ تلاشي استخدام اللغة العربية، إلى جانب ضعف الطلبة، في المرحلة الجامعية في استخدام هذه اللغة، كونهم لا يقرَؤون العربية ! ونعتقد أنه من الضروري سماع رأي في هذا الموضوع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق