مقالات

غربة وليل

منى المعولي

في غربة مجهولة الاسباب أتوسط بيئة قريبة من دمي بعيدة عن أفكاري، ربما هذا ما يسمى باغتراب الذات، ان تكون تحت سقف مجتمع وبين أناس تجمعك معهم ذات الجغرافيا والتضاريس والأرض والتاريخ ولكنك تعيش مرحلة لا اتصال..
تحاول ان تتجاوز تلك الفجوة التي تتوسط روحك، تداركت شرودي واستدركت مداركي فأقنعت نفسي بنفس غير مقتنعة أن كل ذلك ضريبة ان تكون كاتباً..
فلكي تكتب لابد أن تقابل الندبات والإحباطات والانكسارات، فسلسلة الحروف المتصلة التي تخرج على هيئة نص، ما هي إلا مطبات وعثرات وفوضى هربت من نفسك على هيئة صرخة ما، احتجاج ما، رفض ما، او ربما هي ثورة..
أجر اسمال اغترابي فأقود سيارتي على مداس شارع يصل بين نقطتين فيحدث أن ألتقط نفسي المسحولة في الطريق بين مكانين، فأستيقظ على زمار متهور، من طائش يظن ان الشارع رهن سرعته أو آخر كنز مزاجه بين أصابع هاتفه ليطرد الأرواح التي تختار سلامتها بعيدا عن مسار تأرجحه..
في المول الضخم امرأة ثلاثينية السحنة تمشي بصحبة ابنتيها بأعمار الحادية عشرة والثالثة عشرة.. وعاملة منزلها كما يبدو جيدا من تشكيلة العنصرية (عصرية بعنصرية).. تحمل تلك المسكينة أكياس التسوق الدسمة، تجعل انغلاق عينيها الشرق آسيوية تزيد مع التعب..
يجعلني كل ذلك أفكر عن صكوك العبودية في حضارة القرن الحادي والعشرين، كيف أن زمن التمدن جعل منا عبيدا وصك الاستعباد قد يأتي على هيئة راتب
حين يلج الليل يسحب معه حكاياته ويجر معه مناكبه، يحملني باتجاه المقابر وفي رأسي ينصب مقبرته، فتتقافز صور العابرين والموتى والمواقف، لاشيء يغمض عيني حتى شفقة المنومات والأدوية المهدئة، فنحن حين نذهب للنوم نحمل تفاصيل اليوم معنا، فتتقافز سطوره كأيقونات تلمع تنتظر منا دعسة زر لتهجم على ما تبقى منا. 
 أنتزع نفسي المنجرفة شطر التوهان فأنسحب من فضولي المحدق بحيرة واغتراب واعود من الواقع هاربة إلى النوم، النوم الذي في حضر الليل بي فقد ظله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق